من أعلي رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم .. وفورا تجف ملابسهم من شدة الحر ، وطوال الليل والنهار ، وفى الصبح والمساء ، ولعدة مرات تملئ مئات الآلاف من القرب ، والجرار ، والزمزميات ، ومختلف الآواني المتعددة الأشكال ، والأحجام. ويقف أربعون نفرا من الاشداء وقد خضبوا أيديهم ، وأرجلهم بالحناء ، ويتبادلون سحب المياه ، فى كل نوبة أربعة منهم ؛ فلا يمكن أن يتحمل أربعة أنفار فقط سحب المياه طوال الوقت ، ولذلك فهم يتناوبون على العمل ليلا ، ونهارا. ولحكمة إلاهيه .. فآلاف الآلاف من الدلاء تسحب صبحا ، ومساءا ولا ينقص الماء قط بقدر قطرة واحدة. إنه حقا ماء ذلال ، باعث للحيوية والنشاط. فيه شفاء لكثير من الآلام .. ولا تساويه مياه الدنيا فى لذته. ومن يحتسيه فكأن رأسه. ودماغه قد شحن بالمسك والعنبر .. ولو شرب منه المرء عشرات المرات ، أو عشرات الأوقيات فلا يصيبه أي ضرر علي الإطلاق ... وأذا كانت مياه الدنيا كلها تخلو من الرائحة ، ففى الصباح الباكر تشم منه رائحة الورد ، وما أن نصل إلى وقت الظهر ، ومنه إلى وقت العصر ؛ حتى تسوده رائحة البنفسج .. وحتى وقت الغروب تتنسم منه رائحة الياسمين وحتى وقت العشاء تتصاعد منه رائحة الهندباء. وحتى أنا العبد الحقير تسللت دون علم الرقباء ، فى وقت الشفع .. فرأيت الماء ينساب كالذبد .. فشربت منه ، فكان فى لذه اللبن الحليب .. وفاحت رائحته الزكية فعطرت دماغى. وهم يملئون القماقم ، والضرب ، ويحضرونها هدية ، وتبركا إلى كل بلدان العالم الإسلامي. وفى العديد من المرات يحضرونها إلى الآلاف من الولايات. وهذا الماء الطاهر مفيد جدا لمن هم من ذوى الطبيعة البلغمية ، ومعتدل للإنسان الصفراوي ، ولو شرب بمقدار محدد لبعض الطبائع ، فتشاهد فوائده ، ونفعه. ولكن ، كأي فإن الإفراط فى الاستعمال يخلو من الفائدة. ولكن ماء زمزم يشفى بأمر الله من الداء الذى شرب بنية الشفاء منه. وخلاصة الكلام ماء زمزم لما شرب له. أي أنه شفاء لكل داء. حتى أن بعض بلغاء الشعراء زار الكعبة ، وهو محطم الخاطر ، فشرب من ماء زمزم ، فوجد فيها الشفاء. فترنم بهذه المقطوعة :
(يقولون ليلى بالعراق مريضة |
|
فياليتنى كنت الطبيب المداويا |