مزقته شر ممزق. بل وصل الأمر بها أن أكلت أسرجة الحيوانات التى كانت ترقد وذيولها. ويعلم الله أنه لو غفل الشخص بعض الوقت لربما أكلت أذنية أو أنفه أو أطرافه.
وكان أحمد آغا كتخدا القول (١) وسياوش آغا كتخدا بوابى القصر الهمايونى (٢) ومعهما بقية الحجاج الذين كانوا قد تخلفوا بعض الوقت فى الشام ، قد داهمتهم الرياح والعواصف والأمطار فى المكان المسمى الصنمين ، فلاقوا من البلاء أشده ، ومن الصعاب ما تشيب من هولها الولدان ، حتى وصلوا إلى الجيش فاستقبلهم الباشا فى سرادقه.
وقد حدثت عاصفة هو جاء ، وريح صرصر عاتية فى ذلك اليوم أيضا فاقتلعت الخيام ، مزقتها شر ممزق ، تطايرت فى الهواء. ولما كان بعض الرجال قد تشبثوا بالحبال المربوطة فى الأوتاد ، فإن بعض الخيام بقيت معلقة فى الهواء بين عصف الرياح ، وتشبث الرجال ، والأوتاد وسيطرت الدهشة والحيرة على معظم الحجيج فوفدوا على معسكر الباشا وسرادقه للمشاورة ومناقشة الأمر.
مشايخ الحجاج وأصحاب الحاجات فى حضرة الوزير حسين باشا :
مثل مشايخ القبائل ، وأصحاب الحاجات بين يدى الوزير حسين باشا وقالوا «ها هو شهر ذى القعدة قد حلّ ، ومراحلنا أصبحت معدودة ، ولو تخلفنا يوما واحدا ، وإذا لم يصل المحمل الشريف إلى عرفات فى موعده ، لقلل ذلك من شأننا ، وحط من قدرنا أمام عظمة السلطان ، وجموع الأهالى. وها هم حجاج الشام قد تشردوا».
فأجابهم الوزير حسين باشا على الفور ... «.. الحكم لله وحده .. وما لم يكن
__________________
(١) القول مصطلح عسكرى استخدم فى الجيش العثماننى. ويطلق على قائده «آغا القول». وعلى صغار ضباطه» چاوش القول». وقد اطلق عليهم هذا اللقب تفريقا لهم عن الإنكشارية وضباط البحرية وضباط الديوان الهمايونى. «المترجم»
(٢) كتخدا بوابى القصر الهمايونى : لقد كان يطلق على آمرى البوابين والحراس الذين يقومون بالخدمة على أبواب القصر السلطانى. وهذا اللقب مذكور فى دستور الفاتح ص ١١ وكان يقوم بالخدمة فى مجلس السلطان وديوانه. ويقوم مقام الساعى فى حمل المكاتبات المتبادلة بين السلطان والصدر الأعظم. وقد عبر عنه المؤرخون الأوربيون ب «مشير القصر» أو «ناظر القصر» وكان يكلف بمهام رسمية على مستوى الإمبراطورية كلها. «المترجم»