أعدنا الجمال مرة أخرى إلي مكان المعسكر لإحضار ما تبقى من الحجاج والأمتعة. وأنا العبد الحقير قد ترددت بين مكان المعسكر ، والمنزل الجديد مرتين لنقل وإحضار حاجياتنا.
مرحلة (١) قرية طورنا :
قرية عربية بها جامع ، ومائتى منزلا ، حط كل الحجاج رحالهم على هذه المراعى الخضراء ، وأشرقت الشمس إشراقة أضاءت وجوه الجميع. وجاء جمع من المشايخ الذين كانوا قد تواروا بجمالهم ، وقدّموا أولا إلى عثمان ، بك بن دمير باشا أمين بيت المؤن ألف جمل من أجل المؤن السلطانية ، وإلى الباشا قائد القافلة ثلاثة آلاف جملا ، وإلى أمين الصرة (٢) محمود آغا الطوپ قاپى مائة جملا.
وغرب قرية الطورنا هذه يوجد قبر النبى دانيال عليهالسلام على رأس رابية خضراء. وصل جميع الحجاج. وذبحوا الذبائح ، وصلوا ، وحمدوا الله على النسمات الدافئة التى بدأت تهب من ناحية القبلة :
«وجد العالم حياة جديدة .... |
|
وتوهب الأرواح لحظة بلحظه ..» |
أطلقت المدفعية على الفور ، عين خارموج باشا على رأس مفرزة المقدمة وإثنين من ال «شام چورباجى» (٣) وإثنين من ال «پاشا آغاسى» وخمسمائة من المقاتلين الافذاذ
__________________
(١) المرحلة : المرحلة أو المنزل أو الإستراحة أو الموقف أو القوناق ؛ كلها مصطلحات تدل على المسافة التى كانت تقطعها قوافل الحج ، أو التجارة ، والمرحلة مسيرة يوم واحد بالجمال أى مسافة سبعة وعشرين ميلا تقريبا. «المترجم»
(٢) أمين الصرة ـ «صرة امينى» اصطلاح إدارى يطلق على الموظف الذى تسند إليه عهدة ومهمة توصيل الصرة الهمايونية إلى الحرمين الشريفين كل سنة. وكان يعين لهذه المهمة إحدى الشخصيات العلمية أو المدنية أو العسكرية التي تتصف بالتدين والإستقامة. وكان يبدأ رحلته وسط احتفالات آلاى الصرة. وبعد أن يقوم بتوزيع الصرة على أربابها وأداء فريضة الحج كان يعود إلى استانبول.
ومع أن هذه المهمة تعتبر مهمة شرفية إلا أن أمين الصرة كان مضطرا فى كثير من الأحيان للصرف من ممتلكاته الخاصة مبالغ كبيرة وذلك لقلة المخصصات. ومن هنا كانت تسند هذه المهمة إلى بعض الأغنياء فى كثير من الأحيان ، وكان كثير من العثمانين فى عصور الإزدهار لا يتوانون أو يتهيبون من صرف المبالغ الضخمة فى هذا الصدد. ولكن فى آواخر القرن الثانى عشر ـ الثامن عشر الميلادى ، وبسبب الأوضاع المالية المتردية للدولة العثمانية ، بدأ الكثيرون يرفضون القيام بهذه المهمة متعللين بكثير من الأسباب الواهية لإعفاءهم من هذه المهمة. ولكن فى عهد السلطان سليم الثالث وخاصة فى سنة ١٢٠٧ ه ـ ١٧٩٢ / ١٧٩٣ م تم علاوة مبلغ ١٥٠ ألف قرشا ذهبيا على مخصصات هذه الوظيفة مما أعاد إليها رونقها وأصبحت مطلبا لكثير من رجالات الدولة. «معجم المصطلحات التاريخية ج ٣ ص ٢٨٣». «المترجم»
(٣) چورباجى ـ Corbaci اصطلاح عسكرى عثمانى يطلق على ضباط البلوك الذين يكوّنون جنود المشاه فى