تعصف بجيش الإمام المرابط في المدائن ، لو لا وقوفه (عليهالسلام) ومعالجته الموقف بكلّ حزم وروّية ، يساعده في ذلك أنصاره المخلصين.
وقد استغلّ معاوية بن أبي سفيان هذا الظرف ، فأرسل إلى الإمام الحسن عليهالسلام الكتب الّتي وصلته من زعماء أهل الكوفة ، ورؤساء قبائلها ، والّتي يبدون فيها استعدادهم لتسليم الحسن إليه أو قتله (١).
ثمّ أنّ معاوية ، وبكلّ ما لديه من حيلة ، ومكر ، ودهاء ، وبمعرفة أحوال أهل الكوفة ، أمر جواسيسه ، وعملائه ، ببث الإشاعات وإعطاء الرشوات ، وواعدا زعماء أهل الكوفة ، والمتنفذين فيها ، برئاسة جيش ، وولاية قطر ، ومصاهرة على أميرة أموية (٢). فاستجاب له كثير من باعة الضمائر ، الّذين كانوا مع الإمام عليهالسلام في الظاهر ، ولكنّهم جواسيس وعملاء معاوية في الباطن (٣).
فهؤلاء هم أهل الكوفة ، الّذين قال فيهم أبوه (أمير المؤمنين عليهالسلام" بالأمس" أما بعد يا أهل الكوفة ، أكلّما أقبل منسر من مناسر أهل الشام ، أغلق كلّ امرئ بابه ، وانجحر في بيته انجحار الضب والضبع الذليل في وجاره ، أوف لكم ، لقد لقيت منكم يوما أناجيكم ، ويوما أناديكم ، فلا إخوان عند النجاء ، ولا أحرار عند النداء) (٤).
وهؤلاء هم أصحاب الإمام الحسن عليهالسلام" اليوم" لم يتغيّروا ، بل تعدّدت فيهم الاتّجاهات ، وكثرت بينهم النزعات ، فقد ظهر" الحزب الأموي" (٥)
__________________
(١) راضي آل ياسين ـ صلح الحسن. ص ١٦١.
(٢) باقر شريف القرشي ـ حياة الإمام الحسن بن عليّ. ج ٢ / ١٠٠.
(٣) نفس المصدر السابق.
(٤) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٩٥.
(٥) الحزب الأموي : ومن متبعيه ودعاته : عمرو بن حريث وعمر بن سعد بن أبي وقاص وعمارة بن الوليد ابن عقبة وغيرهم.