فالتفت ذلك الرجل عند خروجه إلى عبد الملك وضحك ، فأمر عبد الملك بإحضاره وأحضر ، فقال له عبد الملك : (ما الّذي أضحكك؟!) فقال : (أنا والله عرار). فأكرمه عبد الملك ولاطفه إلى أن انصرف.
ودخلت ذات يوم (بثينة) (١) و (عزّة) (٢) على عبد الملك ، فقال لعزّة : (أنت عزّة كثير) فقالت : (لست لكثير بعزّة ، ولكننّي أم بكر) فقال عبد الملك : (وهل تحفظين قول كثير؟) (٣) :
وقد زعمت أني تغيرت بعدها |
|
ومن ذا الّذي يا عزّ لا يتغير؟! |
تغير خلقي والمودة كالذي |
|
عهدت ولم يخبر بسري مخبر |
قالت عزّة : لست أحفظ هذا ولكننّي أروي قوله :
كأني أنادي أو أكلم صخرة |
|
من الصم لو تمشي بها العصم زلت |
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة |
|
فمن ملّ منها ذلك الوصل ملتّ |
وقيل التقى عبد الملك بن مروان بأعرابي وكان لوحده فقال له : أتعرف عبد الملك؟ فأجابه الأعرابي : (إنّه جائر ، بائر). فقال له عبد الملك : (ويحك ، أنا عبد الملك بن مروان). فقال الأعرابي : (لا حيّاك ولا بيّاك ، ولا قرّبك ، أكلت مال الله وضيعت حرمته). فقال عبد الملك بن مروان : (أنا أضر وأنفع). فقال الأعرابي : (لا رزقني الله نفعك ، ولا دفع عنّي ضرك).
وحينما جاء حرّاس عبد الملك وأصحابه ، قال الأعرابي : (أكتم ما جرى بيننا
__________________
(١) بثينة : بنت حبّان بن ثعلبة العذرية ، كان جميل بن عبد الله بن معمر الشاعر العذري قد أحب بثينة هذه منذ الصغر ، فلمّا كبر خطبها إلا أن أهلها رفضوا خطبته فهام بها ، وقيل (جميل بثينة). وقد ماتت بثينة بعد موت جميل بمدّة قصيرة. ماتت سنة (٨٢) للهجرة.
(٢) عزّة : بنت جميل العمرية ، وكثير عزة : هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر الخزاعي ، شاعر متيم من أهل المدينة ، أحب (بثينة) حبا عنيفا ثمّ هام في حبها ، وقال الأشعار الكثيرة فيها ، وأثناء موته قال : قومي بثينة فاندبي بعويل وابكي خليلا دون كل خليلي.
(٣) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ١ / ٤٨٠.