وكان (الكميت (١)) قد مدح الحكم بن الصلت خليفة يوسف بن عمر على إمارة الكوفة ، بقصيدة مطلعها منها : (٢)
طربت وهاجك الشوق الحثيث
فأمر له الحكم بجائزة ، وفي أثناء ذلك جيء بأبان (٣) بن الوليد مقيدا بالحديد فطالبه الحكم بن الصلت بأموال ادّعى بأنّها مستحقة عليه ، فقال الكميت للحكم : خذ جائزتي عوضا عن دين (إبان). فقال إبان للكميت : يا أبا المستهل : ما حلّ عليّ دين بعد. فقال الكميت للحكم : أبي تسخر!! أصلح الله الأمير؟! فقال حوشب بن يزيد الشيبانيّ (وكان جالسا في المجلس) : (أصلح الله الأمير أتشفّع حمار بني أسد في عبد بجيلة)؟
فرد عليه الكميت قائلا : (فو الله ما فررنا عن آبائنا حتّى قتلوا ، ولا نكحنا حلائل آبائنا بعد أن ماتوا) (٤). فسكت حوشب خجلا.
وقيل إنّ السليك بن السلكة ، خرج يوما للغزو ، فرآى بيتا كبيرا ، فقال لأصحابه : انتظروني في مكان كذا ، عسى أن أجد في ذلك البيت ما ينفعنا ، فذهب إليه فإذا هو بيت يزيد بن رويم الشيبانيّ ، فدخل البيت من خلفه ، وفي هذه الأثناء جاء ابن ليزيد ليلا ومعه إبله ، فغضب يزيد وقال لأبنه : (هلّا عشيتها)؟ فقال له ابنه : إنّها رفضت العشاء. فقال يزيد : (العاشية تهيج الآبية) (٥). ثمّ أخذ يزيد الإبل وعاد بها إلى مرعاها ، فأخذت الإبل
__________________
(١) الكميت : بن زيد بن خنيس ، شاعر مقدم ، عالم بلغات العرب ، خبير بأيامها ، كان في أيّام بني أميّة ولم يدرك الدولة العباسية ، وكان معروفا بتشيعه لآل البيت (عليهمالسلام) وقصائده الهاشميات من خير شعره.
(٢) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٣٨.
(٣) وكان الكميت مداحا لأبان بن الوليد البجليّ ، وكان إبان محبا له ومحسنا إليه.
(٤) ويقال أن حوشب نكح جارية أباه بعد موته.
(٥) ومعنى هذا المثل : أن الإبل الّتي رفضت العشاء ، سرعان ما تعود إلى الطعام إذا رأت إبلا أخرى تتعشى.