وبينما كان خالد سائرا في طريقه ذات يوم ، إذ وقف له رجل وقال له :سألتك بالله إلا ضربت عنقي. فقال له خالد : أكفر بعد إيمان؟ قال : لا. قال خالد : هل قتلت نفسا؟ قال الرجل : لا. فقال خالد : إذن ما سبب ذلك؟
فقال الرجل : لي خصم لجوج ، قد لزمني وقهرني. فقال خالد : ومن هو؟
فقال الرجل : إنه الفقر يا أمير. فقال له خالد : فكم يكفيك لدفعه؟ قال الرجل : أربعة آلاف درهم. فالتفت خالد إلى أصحابه ، وقال لهم : (لقد ربحت هذا اليوم ستّة وعشرين ألف درهم ، فقد عزمت أن أعطي هذا الرجل ثلاثين ألف درهم) (١). فلمّا سمع ذلك الرجل ، رجع إلى خالد وقال له : (حاشاك وأعيذك بالله أن تربح على مؤملك) ، فقال خالد : أعطوه ثلاثين ألف درهم ، ثمّ قال للرجل : (خذ المال ، واذهب آمنا إلى خصمك ، ومتى عاد يعارضك فاستنجد بنا عليه).
وقيل إنّ خالدا القسريّ ، قد حرّم الغناء في الكوفة ، فذهب إليه (حنين) متظلما ، (٢) وأخذ عوده (٣) معه وقال : (أصلح الله الأمير ، شيخ ذو عيال ، كانت له صناعة ، حلّت بينه وبينها) فقال خالد : وما ذاك؟! فأخرج حنين عوده وغنّى : (٤)
أيّها الشامت المعير بالشي |
|
ب أقلنّ بالشباب افتخارا |
قد لبست الشباب قبلك حينا |
|
فوجدت الشباب ثوبا معارا |
فبكى خالد وقال : صدق والله عد ولا تجالس شابا ولا معربدا.
وقيل إنّ أعرابيا قال لخالد القسريّ : ليأمر لي الأمير بملئ جرابي
__________________
(١) محمّد أبو الفضل إبراهيم ـ قصص العرب. ج ١ / ٢٤٤.
(٢) حنين : بن بلوع الحيري ، كان شاعرا ومغنيا ، ومن فحول المغنين في الحيرة وكان نصرانيا.
(٣) العود : آلة موسيقية.
(٤) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٢٧ و٤٢٨.