وتمرّ الأعوام ، فتظهر الفتن والحروب ، وتتعدد اتجاهات الصحابة ، ويتمرد معاوية بن أبي سفيان في الشام على الخليفة الجديد (عليّ بن أبي طالب) وأخذ ينازعه حقّه في الخلافة والأمر ، فانحاز قسم من الصحابة إلى جانب معاويه ووقف قسم آخر إلى جانب عليّ (صاحب البيعة ، وخليفة المسلمين) (١).
أمّا عمّار : فقد وقف إلى جانب عليّ ، لا متحيّزا ولا متعصّبا ، بل للحقّ مذعنا ، وللعهد حافظا.
وجاء يوم صفّين ، وخرج الإمام عليّ عليهالسلام ، يواجه الموقف ، الّذي اعتبره تمرّدا يحمل هو مسؤوليته ، وخرج معه عمّار ، وكان عمره يومئذ (٩٣) سنة ، وكان عمّار قد أبدى وجهة نظره في هذه الحرب فقال : (أيّها الناس ، سيروا بنا نحو هؤلاء القوم ، الّذين يزعمون أنّهم يثأرون لعثمان ، والله ما قصدهم الأخذ بثأره ، ولكّنهم ذاقوا الدنيا واستمرأوها ، وعلموا أنّ الحقّ بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من شهواتهم ، ودنياهم ، وما كان لهؤلاء سابقة في الإسلام ، يستحقون بها طاعة المسلمين لهم ، ولا الولاية عليهم ، ولا عرفت قلوبهم من خشية الله ما يحملهم على اتّباع الحقّ ، وأنهم ليخادعون الناس بزعمهم أنّهم يثأرون لدم عثمان ، وما يريدون إلّا أن يكونوا جبابرة وملوكا) (٢).
ثمّ أخذ الراية بيده ورفعها عاليا فوق الرؤوس ، وصاح في الناس قائلا : (والّذي نفسي بيده ، لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وها أنذا أقاتل بها اليوم ، والّذي نفسي بيده ، لو هزمونا ، حتّى يبلغوا بنا سعفات
__________________
(١) خالد محمّد خالد ـ رجال حول الرسول. ج ٢ / ١٠٢.
(٢) المصدر السابق. ج ٢ / ١٠٥.