والسنّة.
ثمّ أخذ الناس من الكوفة والأعراب وغيرهم يأتون إلى ابن طباطبا فيبايعونه (١) ، وحينما سمع محمّد بن طباطبا بأنّ أبا السرايا ، قد نهب قصر العبّاس بن موسى بن عيسى خطب في الناس فقال : (أما بعد ، فإنّه لا يزال يبلغني : أنّ القائل منكم يقول : إنّ بني العبّاس فيء لنا نخوض في دمائهم ، ونرتع في أموالهم ، ويقبل قولنا فيهم ، وتصدق دعوانا عليهم ، حكم بلا علم ، وعزم بلا رويّة ، عجبا لمن أطلق بذلك لسانه ، أو حدّث به نفسه ، أبكتاب الله حكم؟ أم سنّة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم اتّبع؟ أو بسط يدي له بالجور أمل؟ هيهات ، هيهات ، فاز ذو الحقّ بما نوى ، وأخطأ طالب ما تمنّى ، حقّ ذي حقّ بيده ، وكلّ مدّع على حجّته ، ويل لمن اغتصب حقّا ، وادّعى باطلا ، فلح من رضى بحكم الله ، وخاب من أرغم الحقّ أنفه ، العدل أولى بالأثرة ، وإن رغم الجاهلون ، حقّ لمن أمر بالمعروف ، أن يجتنب المنكر ، ولمن يسلك سبيل العدل أن يصبر على مرارة الجور ، كلّ نفس سمو إلى همّتها ، ونعم الصاحب القناعة.
أيّها الناس ، إنّ أكرم العبادة الورع ، وأفضل الزاد التقوى) (٢) إلى آخر الخطبة.
ثمّ خطب محمّد بن إبراهيم ذات يوم بالناس فقال : (عباد الله ، إنّ عين الشتات تلاحظ الشمل بالبتات (٣) ، وإنّ يد الفناء تقطع مدّة البقاء ، فلا يكبحنّكم الركون إلى زهرتها عن التزود لمقرّكم منها ، فإنّ ما فيها من نعيم بائد ، والراحل عنها غير عائد ، وما بعدها إلّا جنّة
__________________
(١) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٥٢٩.
(٢) الآبي ـ نثر الدر. ج ١ / ٣٧٦.
(٣) البتات ـ الهلاك.