إسحاق الطيّار. ومنهم أبو عبد الله بن محمد الكرموني ، وكان بصيرا بتفسير الرّؤيا ، فمن عجائب شأنه ، أنه كان في سجن أبي يعقوب يوسف بن عبد الحق مع من كان فيه ، من أهل تلمسان أيام محاصرته لها ، فرأى أبا جمعة علي التّلالسي الجرايحي منهم ، كأنه قائم على ساقية دائرة ، وجميع أقداحها وأقواسها تصب في نقير في وسطها ، فجاء ليشرب ، فاغترف الماء ، فإذا فيه فرث ودم ، فأرسله ، واغترف فإذا هو كذلك ، ثلاثا أو أكثر ، ثم عدل إلى خاصّة ماء ، فجاءها وشرب منها. ثم استيقظ ، وهو النهار ، فأخبره ، فقال : إن صدقت الرؤيا ، فنحن عن قليل خارجون من هذا السجن. قال : كيف؟ قال : الساقية الزمان ، والنّقير السلطان ، وأنت جرايحي ، تدخل يدك في جوفه فينالها الفرث والدّم ، وهذا ما لا يحتاج معه إلى دليل ، فأخرج ، فوجد السلطان مطعونا بخنجر ، فأدخل يده في جوفه ، فناله الفرث والدّم ، فخاط جراحته وخرج ، فرأى خاصّة ماء ، فغسل يده وشرب. ولم يلبث السلطان أن توفي ، وسرّحوا من كان في سجنه. ومن أشياخه الإمام نسيج وحده ، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد الآبلي التلمساني ، وهو رحلة الوقت في القيام على الفنون العقلية ، وإدراكه وصحّة نظره.
حدّث قال : قدم على مدينة فاس ، شيخنا أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي ، عرف بابن المسفّر ، رسولا من صاحب بجاية. وزاره الطلبة ، فكان مما حدّثهم أنهم كانوا على زمان ناصر الدين ، يستشكلون كلاما وقع في تفسير سورة الفاتحة من كتب فخر الدين ، واستشكله الشيخ معهم. وهذا نصه : ثبت في بعض العلوم العقلية ، أن المركّب مثل البسيط في الجنس ، والبسيط مثل المركّب في الفصل ، وأن الجنس أقوى من الفصل ، فأخبروا بذلك الشيخ الآبلي لما رجعوا إليه ، فتأمله ثم قال : هذا كلام مصحّف ، وأصله أن المركّب قبل البسيط في الحسّ ، والبسيط قبل المركّب في العقل ، وأن الحسّ أقوى من العقل ، فأخبروا ابن المسفّر ، فلجّ ، فقال لهم الشيخ : التمسوا النسخ ، فوجدوا في لفظ بعضها كما قال الشيخ.
رحلته : رحل (١) إلى بجاية مشرّقا ، فلقي بها جلّة ، منهم الفقيه أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي ، ابن المسفّر (٢). ومنهم قاضيها أبو عبد الله محمد ابن الشيخ
__________________
(١) راجع نفح الطيب (ج ٧ ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ، ٢٣٩).
(٢) توفي ابن المسفر في عام ٧٤٣ ه ، وترجمته في نيل الابتهاج (ص ٢٣٧) والديباج المذهب (ص ٣٣٢).