والأعضاد بالصّبية ، وبرز الناس إلى ملاقاة السلطان ، في هول من العزّ شهير من الفخر ، وبعيد من الصيت ، قرّت له أعينهم ، وقعد لبيعتهم أياما تباعا ، وملأ بهم البلاد هدايا وتحفا والحمد لله ، وصدرت المخاطبة بذلك إلى السلطان بالمغرب بما نصه من الكلام المرسل من إنشائي.
الغزاة إلى فتح جيّان :
وفي آخر محرم من عام تسعة وستين وسبعمائة ، كانت الحركة الكبرى إلى مدينة جيان ، إحدى دور الملك ، ومدن المعمود ، وكرسيّة الإمارة ، ولو أن المدن الشهيرة افتتحها الله عنوة ، ونقل المسلمون ما اشتملت عليه من النّعم والأقوات والأموال والأنعام والأثواب والدّواب والسّلاح ، ومكّنهم من قتل المقاتلة ، وسبي الذرية ، وتخريب الديار ، ومحو الآثار ، واستنساف النّعم ، وقطع الأشجار. وهذا الفتح خارق ، تعالى أن يحيط به النّظم والنثر. فذكره أطير ، وفخره أشهر. وصدرت في ذلك المخاطبة من إملائي إلى ملك المغرب. وأصاب الخلق عقب القفول في هذه الغزاة ، مرض وافد ، فشا في الناس كافة ، وكانت عاقبته السّلامة ؛ وتدارك الله بلطفه ، فلم يتّسع المجال لإنشاد الشعراء ، ومواقف الإطراء ، إلى شغل عن ذلك.
الغزاة إلى مدينة أبدة :
وفي أول ربيع الأول من هذا العام ، كان الغزو إلى مدينة أبدة ، واحتلّ بظاهرها جيش المسلمين ، وأبلى السلطان في قتالها ، وقد أخذت بعد جارتها جيّان أقصى أهبة ، واستعدّت بما في الوسع والقوة ، وكانت الحرب بها مشهورة. وافتتحها المسلمون فانتهبوها ، وأعفوا مساكنها العظيمة البناء ، وكنائسها العجيبة المرأى ، وألصقوا أسوارها بالثّرى ، ورأوا من سعة ساحتها ، وبعد أقطارها ، وضخامة بنائها ، ما يكذّب الخبر فيه المرأى ، ويبلّد الأفكار ، ويحيّر النّهى. ولله الحمد على آلائه التي لا تحصى. وقفل المسلمون عنها ، وقد أخربوها ، بحيث لا تعمر رباعها ، ولا تأتلف حجورها وجموعها. وصدرت المخاطبة بذلك إلى صاحب المغرب من إنشائي بما نصّه :
وإلى هذا العهد جرت الحادثة على ملك قشتالة ، بطره بن أدفونش بن هراندة بن شانجه ، وهو الذي تهيأ به الكثير من الصّنع للمسلمين ، بمزاحمة أخيه أندريق في الملك وتضييقه عليه ، وحياز سبعة من كبار أصحابه ، وأهل ملّته إليه ، وافتقار بطره المذكور إلى إعانة المسلمين ، وإجلابهم على من آثر طاعته ضدّه ، فانهزم بظاهر حصن منتيل ، ومعه عدد من فرسان المسلمين ، ولجأ إلى الحصن على غير أهبة