وخاطبني كذلك ، وهو من الكلام المرسل : أبو معارفي ، ووليّ نعمتي ، ومعيد جاهي ، ومقوّم كمالي ، ومورد آمالي ، ممن توالى نعمه عليّ ، ويتوفّر قسمه لدي ؛ وأبوء له بالعجز ، عن شكر أياديه التي أحيت الأمل ، وملأت أكفّ الرغبة ، وأنطقت الحدائق ، فضلا عن اللسان ، وأياديه البيض وإن تعددت ، ومننه العميمة وإن تجدّدت ، تقصر عن إقطاع أسمى شرف المجلس في الروض الممطور بيانه. فماذا أقول ، فيمن صار مؤثرا إليّ بالتقديم ، جاليا صورة تشريفي ، بالانتساب إليه في أحسن التقويم ... (١) وإني ثالث اثنين أتشرف بخدمتها ، وأسحب في أذيال نعمتها : [الطويل]
خليليّ ، هل أبصرتما أو سمعتما |
|
بأكرم من تمشي إليه عبيد؟ |
اللهمّ ، أوزعني شكر هذا المنعم ، الذي أثقلت نعمه ظهر الشكر ، وأنهضت كمال الحمد ، اللهمّ أدم بجميع حياته ، وأمتع بدوام بقائه الإسلام والعباد ، وأمسك بيمن آرائه رمق ثغر الجهاد. يا أكرم مسئول ، وأعزّ ناصر. تفضّل سيدي ، والفضل عادته ، بالتعريف بما يقرّ عين التطلّع ويقنع غلّة التشوّف. ولقد كان المماليك لما مثلنا بين يدي مولانا ، أيّده الله ، لم يقدم عملا عن السؤال ولا عن الحال ، إقامة لرسم الزيارة ، وعملا بالواجب ، فإنني أرى الديار بطرفي ، فعلى أن أرى الديار بعيني ، وعلى ذلك يكون العمل إن شاء الله. وإن سأل سيدي شكر الله احتفاءه ، وأبقى اهتمامه ، عن حال المماليك ، من تعب السفر ، وكدّ الطريق ، فهي بحمد الله دون ما يظنّ. فقد وصلنا المنكّب تحت الحفظ والكلاءة ، محرزين شرف المساوقة ، لمواكب المولى ، يمن الله وجهته ، وكتب عصمته ، واستقرّ جميعنا بمحلّ القصبة ، وتاج أهبتها ، ومهبّ رياح أجرائها ، تحت النعم الثرّة ، والأنس الكامل الشامل. قرّب الله أمد لقائكم ، وطلع على ما يسرّ من تلقائكم. ولما بلغنا هذه الطّيّة ، وأنخنا المطيّة ، قمنا بواجب تعريفكم على الفور بالأدوار ، ورفعنا مخاطبة المالك على الابتدا. والسلام.
مولده : في الرابع عشر من شوال ثلاثة وثلاثين وسبعمائة.
انتهى السفر السادس هنا ، والحمد لله ربّ العالمين
* * *
__________________
(١) بياض في الأصل.