خلّوا عن طريقه ـ وتناول الحربة من الحارث بن الصمّة (١) فانتفض بها انتفاضة تطايروا عنه تطاير (٢) الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض ، ثم استقبله النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ (٣) منها عن فرسه مرارا. وقيل بل كسر ضلعا من أضلاعه ، فولّى نحو قريش وهو يقول: قتلني محمد. ثم احتقنت طعنته فمات لعنه الله (٤).
قال عمران بن حصين (٥) : ما لقي رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كتيبة إلا كان أوّل من يضرب. قال مالك بن عوف النّصري حين أسلم :
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله |
|
في الناس كلّهم بمثل محمّد |
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدي |
|
ومتى تشأ يخبرك عمّا في غد |
وإذا الكتيبة عرّدت أنيابها |
|
بالسمهريّ وضرب كلّ مهنّد |
فكأنّه ليث على أشباله |
|
وسط الهباءة خادر في مرصد (٦) |
واعلم أنّ الشجاعة هي اعتقاد القوّة على دفع المعترض بحسب
__________________
(١) الحارث بن الصّمة ت ٢ ه ـ ٦٢٤ م : الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك من بني عمرو ابن مالك بن النجار ، وهو من أهل بدر ، كسر بالروحاء فردّه النبيّ (صلىاللهعليهوسلم) وضرب له بسهمه ثلاثة نفر. الإصابة ١ : ٢٩٤ برقم ١٤٢٣ والسيرة النبوية ١ : ٥٢٣.
(٢) في السيرة النبوية ٢ : ٦٠٢ : تطايرنا عنه تطاير الشّعراء عن ظهر البعير إذا انتفض بها.
(٣) تدأدأ : تقلّب عن فرسه فجعل يتدحرج. السيرة ٢ : ٦٠٢.
(٤) انظر الخبر في السيرة النبوية ٢ : ٦٠١ ، ٦٠٢.
(٥) عمران بن حصين ت ٥٢ ه ـ ٦٧٢ م : عمران بن حصين بن عبيد أبو نجيد الخزاعي ، من علماء الصحابة ، أسلم عام خيبر سنة ٧ ه وكانت معه راية خزاعة يوم فتح مكة ، وبعثه عمر إلى أهل البصرة ليفقههم وولاه زياد قضاءها وتوفي بها وهو ممن اعتزل حرب صفين.
الإصابة ٥ : ٢٦ برقم ٦٠٠٥ والأعلام ٥ : ٧٠.
(٦) الخبر مع الشعر في السيرة النبوية ٢ : ٩٢٧ ، ٩٢٨ والسمهريّ : الرمح ، والمهنّد : السيف.
والهباءة : الغبار الذي يثور عند اشتداد الحرب.