فرعان الملك :
كان الطوفان في وقته ، فلما تولى طغى وتجبر وبغى ، وغصب الناس أموالهم ونساءهم وعتى عتوا كبيرا.
وكان نوح عليهالسلام في أيامه وكان درمسيل بن مخويل ملكا بمدينة أمسوس ، وفرعان على مصر ، فكتب فرعان كتابا إلى درمسيل بقتل نوح عليهالسلام ، فقرأ كتابه وأرسل جوابه بأن نوح عليهالسلام يأمر برفض آلهتنا [ويأمر](١) باتباع إلهه ، وقد بنى سفينة (٢) عظيمة. فأرسل يؤكد عليه في قتله وإحراق سفينته. فعزم (٣) درمسيل على ذلك ، فأشار عليه بعض وزرائه أن لا يفعل ، وقال : أيها الملك ، إن كان ما يدعيه حقا فلا طاقة لنا ولا لأحد على قتله ، وإن كان باطلا ، فذلك لا يفوت.
وكان عندهم أمر الطوفان ولكنهم لم يعرفوا وقت مجيئه.
فعملوا تحت الأرض سراديب ، وصفحوها بالزجاج وحبسوا فيها الرياح بتدبيرهم ، واستعد فرعان كذلك.
وكان للكهان رئيس اسمه فليمون ، رأى في منامه : أن مدينته أمسوس قد انقلبت بأهلها والأصنام قد هوت على رؤوسها ، وكأن بأمم نازلين من السماء ، ومعهم مقامع من حديد ، وهم يضربون بها رؤوس الخلق / وكأن فليمون تعلق بأحدهم ، وقال : لم تفعلون ذلك؟ فقال : لأنهم كفروا بإلههم. قال : فما الخلاص؟ قال : أن يلحقوا بصاحب السفينة هو وأهله.
ورأى ثانية : كأنه في روضة خضراء وفيها طيور بيض يفور منها رائحة ذكية طيبة ، وسمع بعضها يقول : سيروا بنا ننجّي المؤمنين ، قال له فليمون : من المؤمنون؟ قال : أصحاب السفينة.
فانتبه على يقين من نوح عليهالسلام ، فأراد أن يخرج إليه بحيلة ، فأتى الملك وقال : إن أراد الملك أن ينفذني إلى درمسيل لعلي أن أقف على صاحب السفينة فأناظره على دعواه فيبين لي حقيقة أمره فليفعل ، فأذن له فرعان. فأخذ ولديه وتلاميذه ، وكانوا تسعة أنفس ، وسار بهم حتى دخل أرض بابل ، فاجتمع على نبي الله نوح عليهالسلام
__________________
(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
(٢) في المخطوط : وقد بنى مدينة كذا سفينة. وأحسب أن بالأصل المنسوخ منه مدينة ، وأراد الناسخ التوضيح والتصحيح ، فأضاف كلمة كذا ، ثم ذكر الصواب بأنها سفينة وليست مدينة فحذفت الخطأ والزيادة وأثبت العبارة على الصواب ، والله أعلم.
(٣) في المخطوط : فلزم ، وهو تحريف.