أمرهم وتضاحكوا منهم ، وكانوا في مدينتهم تلك الليلة وليمة ، فقالوا لهم : باتوا الليلة عندنا وتفرجوا في وليمتنا ، فلما اجتمع الناس على أكلهم وشربهم وغنائهم وطيب ألحانهم ، قالوا لأولئك :
ـ لا تضيقوا على أنفسكم ، فإن الطريق قدامكم واضح مستقيم لا يمكن أن تغلطوا فيه ، وأنتم مخيرون إن شئتم الخروج من عندنا وجهنا معكم من يوقفكم على سمت الطريق الكبير الذي يؤديكم إلى منازلكم ، وإن أحببتم الإقامة عندنا ساعدناكم على مرادكم ، وأرفدناكم وأزوجناكم / فينا وكنتم إخواننا وأحبابنا.
قال الجماعة : فسررنا بقولهم ، وعزمنا على الإقامة عندهم ، وبتنا ، فأصبحنا ، وقد وجدنا أنفسنا في مدينة عظيمة لكنها خالية من الناس ، قد خربت بيوتها وتهدمت قصورها وتشعث حسنها ، وهي فقراء موحشة. فازددنا خوفا ووحشة ، وخرجنا هاربين متفكرين فيما قد حلّ بنا ، وفسرنا من أول نهارنا حتى أمسينا ، رأينا على بعد منارا عاليا ، فسلكنا الجادة.
فقال : العمران أمامكم. فبتنا عنده ، وأصبحنا ونحن في مكان غيره ، فسرنا قليلا ، ثم لاح لنا العمران ، فاتبعناه ، فدخلنا الأشمونين ، وكنا نحدث الناس بالذي جرى لنا ، فلا يصدقونا في هذه. وأمثالها مدائن القوم الداخلة القديمة قد غلب عليها الجان حتى سترت عن العيون فأنّى لهؤلاء العمّل مثل هؤلائك.
وذكر بعض القبط : أن رجلا من بني الكهنة الذين قتلهم أسباذ ببلاد الفرنج ، واجتمع بملكهم فذكروا له بلاد مصر ، وأعمالها وعمائرها ، ونيلها ، وعجائبها وكثرة خيراتها ومفترجاتها ، وكنوزها واعتدال هوائها فتاقت نفس الملك للدخول إليها.
فقال الكاهن : كيف الحيلة حتى ندخلها فطمئن له تبطيل ذلك كله ، وأن يبلغوا جميع ما يريدوا منها. وأخذ بالتجهيز إليها.
فقال المؤلف : وقد اتصل الخبر بالملك صا فعمد إلى جبل بين البحر المالح وشرقي النيل ، فأصعد إليه أكثر كنوزه وخزائنه ، وبنى عليها قبابا قد صفح ظاهرها بالرصاص وأمرهم أن ينحتوا جوانب الجبل ، فنحتوها إلى خمسين ذراعا. وجعلوا في أبنيتها المنحوتة منه طرزا بارزا قدر ذراع ، وهو جبل مدور رفيع السمك بين جبال وعرة ففرغ من تحصين كنوزه واستعد للقاء عدوه.
وأما ملك الفرنج :
فإنه لما تجهز له في ألف / مركب وصوب مصرا ، فكان لا يمر بشيء من أعمال مصر إلا هدمها وأبطل حركات طلسماتها ، وهدم مصانعها ومنائرها بمعونة ذلك الكاهن ،