وعمل عجائب وطلسمات ، وعمل في منف مرآة يرى فيها الأوقات التي تخصب فيها البلاد وتجدب. وعمل خلف الجبل المعظم صنما يقال له : صنم الحيلة فمن أراد شيئا جاء إليه وبخره فتيسر له مراده ، وبنى غالب منف والإسكندرية فمحيت بتقادم الزمان وأبادهم الحدثان.
وليس لأحد أن ينكر كثرة بنيانه ، ولا ما نصبوا من أعلامهم ، ومنائرهم ، فقد كان للقوم بطش وشدة ، ومعرفة وحكمة لم تكن لغيرهم. وأن آثارهم باقية إلى الآن بينة مثل أهرام الجيزة ودهشور وميدوم والبرابي والأعلام ، والجبال المنحوتة المنقورة التي ادخروا فيها كنزوهم وأموالهم التي لا يصل أحد إليها بحيلة.
وكذلك أبخرتهم ، وأدويتهم ، وطلسماتهم ، وجميع علومهم دفنت معهم.
وكذلك ما نقشوه على البرابي ببلاد الصعيد فإنه لو تعاطى جميع ملوك الأرض أن يبنوا هرما ، ما تهيأ لهم ذلك ، أو ينقشوا بريا واحدا لطال بهم الأمد.
ويحكى عن حكمهم حكاية عجيبة :
من هذا القبيل : أن جماعة في ضياع الغرب عنفهم عاملهم ، فخرجوا إلى صحراء الغرب ، وحملوا معهم زادا كثيرا ، فاجتازوا على سفح جبل ، فرأوا عيرا أهلية ، قد خرج من بعض شعابه ، فتبعه ، ففر منهم ، فأشرفوا على مساكن وزروع وأشجار وأنهار / وجماعة قاطنين شاهكين يتناكحون ويتناسلون ، ورزقهم واسع وعيشهم رغيد لا خراج ولا ظلم عليهم ، ولا يروا ضياع الغرب قط ، ولا آوى عندهم غريب ، وهم في راحة من الناس وفي نعمة من الله لا يظلمون ولا يظلمون. فلما رأوا أولئك تعجبوا من وصولهم إليهم فدنوا منهم ، وسلموا عليهم ، واستأنسوا بهم وسألوهم أن ينتقلوا إليهم ، ويسكنوا عندهم ، فأجابوا إلى ذلك. وخرجوا من عندهم ليرجعوا إليهم بأهليهم ومواشيهم ، فأقاموا مدة يطلبون الطريق فلم يعرفوه ولا دلهم أحد عليه ، فأسقوا على ما فاتهم.
وقوم آخرون ضلوا الطريق بصحراء الغرب فوقفوا على مدينة عامرة كثيرة الناس ، والمواشي ، والمياه ، والزروع ، والثمار ، والفواكه ، والأشجار فخافوا. ولما رآهم أهل البلد أكرمهم أهلها وضافوهم ، وعند المبيت أدخلوهم مكانا ، وأحضروا لهم شرابا ، فأخذوا مضاجعهم فلما أصبحوا وجدوا أنفسهم في مدينة خراب ، وهي كبيرة لكنها خالية ، فخرجوا منها هاربين مستوحشين خائفين فعند المساء أشرفوا على مدينة أكبر من الأولى وأعظم وأعمر وأكثر أهلا ، ودوابا وغروسا وبساتين وأنعاما وغير ذلك. ففرحوا بذلك وزالت وحشتهم ، فلما رأوهم استأنسوا بهم ، وضافوهم ، ثم سألوهم عن أمرهم وكيفية الوصول إليهم ، فأخبروهم بالذي جرى لهم في المدينة الأولى ، فتعجبوا من