ابشاد الملك :
ولي الملك وهو ابن خمس وأربعين سنة ، وكان جبارا معجبا طماع العين ، غصب امرأة من نساء أبيه وانكشف أمره معهما.
وكان دأبه اللهو والتنزه فانتمى إليه كل من كان هذا دأبه.
وجعل على ملكه بعض الوزراء ، وكان اسمه : مسرور ، واختلى هو بلذاته وشهواته ، وأهمل أمر الناس ، ومصالح البلد ، وعمل له قصورا من الخشب تعلوها قباب من الخشب ، مموه بالذهب وأجراهما على الماء ، فكان يتنزه عليها هو ومن يحبه.
وركب على البر عجلا وحمل عليه الأروقة المذهبة وفرشها بفاخر الفرش ، فكان يتنزه عليها والبقر تجرها ، ويكون في تنزهه مشهورا ، فلا يمرّ بمفترج إلا أقام به أياما ونفق خزائن أبيه على ما هو فيه. فاجتمع الناس على وزيره مسرور وسألوه أن يراجع الملك في أمرهم بأن ينظر في مصالح بلدهم. ففاوضه بذلك ، فلم ينته وسلط من معه على الناس ، فأساءوا إليهم. وعمل الملك لنفسه متنزها عجيبا ، صفح مجالسه بصفائح الذهب ، وصفائح الفضة ، والزجاج الملون ، والجوهر المخروط ، وعمل فيه صهاريج فرشها بالرخام الملون ، وجرّ له الماء ، وغرس حوله الرياحين والثمار وجعل حوله مناظر مشرفة عليها زينتها وفرشها.
وخرج غلام لبعض نسائه في حاجة ابتاعها لهم ، فوقف على صاحبها ، وأراد أن يأخذها منه بغير ثمن ، فعمدوا إلى الغلام فقتلوه. فبلغ الملك خبره ، فلم يلتفت لذلك ، وقال : هكذا فافعلوا (١) ، ونادى في بلده : من أخذ منكم شيئا بغير حق فافعلوا به ما بدا لكم ، ففرح الناس بذلك ، وحملوا الكلام على الصحة. فبعد سبعة أيام أمر جيشه أن يتجهز مع الملك للخروج إلى صحراء الغرب يتصيد هناك ، فخرج معه طائفة من أهل البلد ، فقعد ثلاثة أيام ، فلما دخل عليهم الليل أمر خواصه أن يقفوا بباب المدينة ، ثم أمر جماعة من أصحابه أن يحدقوا / بالناس فمسكهم وأتلف منهم خلقا كثيرا ، وأمرهم أن ينادوا عليهم : هذا جزاء من تجرأ على خدم الملوك وأصحاب مهنتهم ، وأمر بحرق الموضع الذي ضربوا فيه الغلام. فاستغاث الناس ، فأشار لوزيره أن يطرح نفسه شافعا لهم ، فعفا عنهم ، وقال : من تعرض لخدمنا حلّ لنا دمه ، فأبغضه الخاص والعام. فاحتال عليه بعض نسائه بطباخه وساقيه فسماه ، ومات وولي ابنه :
صاصا الملك :
لما ملك جمع الناس ووعدهم وأحسن إليهم وسكن منف ، وملك الأحيان كلها
__________________
(١) في المخطوط : إنه لعلو ، وهو تحريف.