فإذا جلس أخذ النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان فوضعاه على رأسه ، والطاووسان والأسدان مائلان برؤوسهما إلى سليمان فينضحن عليه من أفواههم المسك والعنبر.
ثم تناوله حمامة من الذهب خاتمه. وعلى عمود من الجوهر من أعمدة الكرسي التوراة (١) ، يفتحها سليمان ويقرأها على الناس ، وإذا وقف أحد بين يديه للقضاء ، وتقدمت الشهود لإقامة البينة ، دار الكرسي بما فيه فتهابه الشهود فلا يشهدوا إلا بالحق.
وذلك ما رواه أبو إسحاق الثعلبي ، ووهب بن منبه.
فلما توفي سليمان ، وجاء بخت نصّر إلى بيت المقدس أخذ الكرسي / وحمله إلى أنطاكية وأراد أن يصعد عليه ، فلما وضع قدمه على الدرجة السفلى رفع الأسد يده اليمنى وضربه ضربة شديدة دقه ، ورماه ، فحمل ولا زال منها أعرج إلى أن مات.
وبقي الكرسي بأنطاكية حتى غزاهم ملك من ملوك الشام يقال له : كراس بن سداس فهزم خليفة بخت نصّر ، ورد الكرسي إلى بيت المقدس ، ولم يستطع أحد من الملوك الصعود فوقه ، فوضع تحت الصخرة ، فغاب ولم يعرف له خبر ، ولا يدرى أين هو والله أعلم.
ذكر خبر بلقيس وبدء أمرها :
قال الكسائي : قال كعب : هي بلقيس بنت ذي أشرح ، وهي متولدة من بين الإنس والجن (٢) ، وأمها عميرة بنت ملك الجن. وسبب ذلك ، قال الكسائي : لما أهلك الله مساكن سلموا مخيل الكرم وفوضوا أمرهم (٣) إلى رجل جبار يقال له أشرح الحميري ، وكان جعل له على قومه فرضا في كل أسبوع يأتوه بجارية من بناتهم فيفضها ، ثم يردها إلى أهلها. وكان داء أشرح وزيره ، وهو من أبناء ملوك حمير من ولد سبأ. وكان لدى أشرح ألف قصر ، وألف فرس عتيق ، وألف سيف يمان. وكان يرجع إلى حسن وجمال ،
__________________
(١) في المخطوط : التورية ، وهو تحريف.
(٢) هذا خبر تلوح عليه علامات الوضع لكل من لديه ذرة من عقل. وأنا لم أعلق على أي خبر من أول الكتاب إلى هنا ، لكن هذا الخبر من أخبار كعب الأحبار ومعلوم من هو وما هي درجة توثيقه ، فكيف وقد تكلم بما لا يقوله من لديه مسكة من عقل ، وهذا الأمر يقول به بعض من يدعي علاج الجن وهو من أظهر البواطيل حيث أن الفقهاء قالوا : إن هذا أمر لا يمكن حدوثه ومن وجدناها حاملا وليس لها زوج أقمنا عليها الحد ، ثم أن الطب الحديث بين لنا وعرّفنا عدم حدوث مثل هذا الأمر لاختلاف التركيبة البشرية عن التركيبة الجنيّة. فالله أسأل العصمة من الزلل وأن يرزقنا حسن الاعتقاد وحسن الختام بالموت على دين الإسلام.
(٣) في المخطوط : وانقرضوا إلى أمرهم ، وهو تحريف وزيادة ، فضبط العبارة.