وعقل ، وكان مولعا بالصيد ، وكانت الجن تتصور له في صور الظباء ، فإذا صادهم ، وهمّ بذبحهم كلموه ، وقالوا له : لا تعجل (١) ، فإنما جئنا للنظر إلى محاسن وجهك.
وكان اسم ملك الجن عمير ، فمر ذي أشرح يوما بواد من بلاد اليمن كثير الأشجار فنزل به حتى إذا جنّ الليل ، وكان في جمع قليل من أصحابه هممته الجن ، فقام ونادى :
يا معشر الجن ، قد نزلت بكم الليلة على أن تضيفوني ، وإني جار لكم ، فأسمعوني (٢) من أشعاركم (٣).
قال : فأنشدتهم الجن من أشعارهم وجاءته حميرة بنت عمير ملك الجن على أحسن صورة ، فلما نظر إليها ذهل عقله من حسنها / وغابت عن عينيه وشغف بها [فقال](٤) : يا معشر الجن ، إن أنتم زوجتموها مني وإلا كنت لكم حربا ما عشت أبدا.
فنادوه : يا ذي أشرح ، إنك آدمي ، فكيف تقاتل الجن ، ومسكنهم الهواء ، وظلمات الأرض بميلا؟ لا تعرض نفسك للهلاك إلى ما لا تقدر عليه.
فلما سمع ذلك آيس من زواجهم ، ثم أنه أخذ في موالغة الجن كلما خرجوا له لينظروا إليه وصار يهاديهم ، فصادقه حمير ملك الجن ، وآخاه وألفه حتى صار عنده كالأخ فلما رأى ذلك ذي أشرح قال له : هل (٥) لك أن تزوجني ابنتك عميرة ليكون لي بذلك الشرف إلى الممات؟ فرغب فيه لحسنه وجماله وشرفه وحسبه وماله ، فزوجه ابنته بحضرة سادات الجن. وانصرف ذي أشرح إلى مدينة المسك سبأ وأهدى هدايا كثيرة إلى ملك الجن وساداتهم ، ثم زفت إليه فوطئها فحملت منه ببلقيس.
ذكر خبر بلاد بلقيس رضياللهعنها :
قال : وولدت عميرة بنت ملك الجن بلقيس بنت ذي أشرح على أحسن ما يكون من الصور ، ثم ماتت أمها بعد ذلك بقليل فربتها الجن ، فلما بلغت مبلغ النساء قالت لأبيها : إني كرهت المقام عند الجن ، فاحملني إلى بلاد الإنس.
فقال لها : إن للإنس ملك جبار وسنة كذا في بنات قومه ، وأنه يفتض الأبكار ويردهن إلى أهلهن بالعار.
فقالت : لا تخش عليّ. فبنى لها قصرا خارج مدينة سبأ من أعظم ما يكون من
__________________
(١) في متن المخطوط : تجعل ، والتصويب من هامشه بخط الناسخ.
(٢) في المخطوط : فاستمعوني ، وهو تحريف.
(٣) في المخطوط : أشعارهم ، وهو تحريف.
(٤) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.
(٥) قبل تلك الكلمة لفظة : بها ، وهي زائدة على السياق فحذفتها.