فعجب من كلامها وحسن معرفتها مع صغر سنها. ثم قال : من كم عقدة عصرت هذا الماء؟
فقالت : من عقدة واحدة.
فعجب من ذلك ، ثم سألها عن خراج بلدها ، فرآه يسيرا ، وكان قد عزم على زيادته فلم يفعل.
ثم خرج في العام الثاني للصيد ، ثم جاء لتلك القرية ، ووقف على ذلك الباب منفردا ، وطلب ماء ، فخرجت له تلك الصبية بماء بعد إذ غابت أكثر من المرة الأولى.
فلما خرجت قال : ما سبب بطاءك؟
قالت : لأنه لم يخرج من ثلاث عقد ما كان يخرج من عقدة واحدة ... (١).
[فقال](٢) : وما سبب ذلك؟
قالت : يظهر أن الملك غير نيته على رعيته.
فقال الملك : ومن أين علمت ذلك؟
قالت : إذا غير الملك نيته على رعيته تزول عنهم بركة الرزق.
فعجب الملك من كلامها (٣) وحسن معرفتها. فلما رجع أرسل من خطبها وحظت (٤) عنده حتى أنه لا يفعل شيئا إلا برأيها (٥).
وكان من ملوك الفرس ملك يسمى كيساسب :
كان ملكا عادلا ، وكان له وزير / اسمه : راسب ، وكان جبارا غير أن عدل الملك يمنعه ظلم الرعية.
فكان كثيرا ما يقول للملك : إن العدل يبطر الرعية ، وزيادة عدلك أيها الملك أبطرهم ، فلو ذاقوا مرارة الظلم استقاموا. فظن الملك أنه صادق ، فأذن له فظلم إلى أن كادت الناس تهلك ، وخربت القرى وخلت أكثر المدن ، وقلّ خيرها.
ولم يعلم الملك حقيقة الحال ، فركب يوما منفردا لا يدري أين يذهب. فسار في البرية فرأى قطيع غنم وعنده بيت منصوب ، وبإزائه كلب مصلوب ، فلما قرب من ذلك
__________________
(١) موضع النقط بياض بالمخطوط قدره ثلاث كلمات.
(٢) زيادة يتطلبها السياق ولعلها ضمن ما انمحى من البياض.
(٣) في المخطوط : كلامتها ، وهو تحريف.
(٤) في المخطوط : وخطب ، وهو تحريف.
(٥) في المخطوط : إلا ترابها ، وهو تحريف.