البيت خرج له شاب عزمه وأنزله وهو لا يعرفه ، ثم أحضر له زادا ، فأبى أن يأكل أو يعرفه خبر هذا الكلب ، ولماذا صلبه؟.
فقال : يا أخي ، هذا الكلب جعلته أمينا على غنمي فكان أمينا لا خيانة فيه ، فعشق ذيبة وألفها ، وصار يقوم معها وينام ، ويطأها كلما أراد ، والذيبة تأخذ كل يوم رأسا حتى بان النقص في الغنم وأنا لا أدري ، فصرت أختفي وأرصد من يأخذ منها فرأيت الذيبة أقبلت وصار يلحسها وتلحسه ثم ولى عنها ، فأخذت رأسا وراحت. فعلمت أنه خان أمانته فصلبته كما ترى.
فقال الملك في نفسه : إن هذا أمر لك فيه عبرة ، وإن رعيتنا أغنامنا ، فيجب أن نفحص (١) عن أمرهم كما فعل صاحب الغنم. ففحص ، فإذا الخلل من جهة الوزير ، فصلبه ، وقال : من اغتر بأهل الفساد فسد ملكه.
زواج كسرى بهند بنت بهرام جود ، وما صنعه في مهمة لها :
لما أراد الحجاج بن يوسف الثقفي أن يزوج ولده محمد ، قال : لأعملن وليمة لم يسبقني إليها أحد من ملوك الدنيا حتى يبقى ذكرها إلى الأبد.
/ فقيل له : لو طلبت أحدا ممن عنده علم الأكاسرة وما كانوا يصنعونه في ولائمهم فتفعل مثلهم وتزيد عليه حتى يكون مقالك مبني (٢) على التحقيق.
فأرسل إلى من عنده علم بذلك ، فقيل له : إن كسرى لما تزوج بهند بنت بهرام جود ، كتب إلى نواب مملكته جميعها يأمرهم بالحضور ، ففعلوا ، وكانوا زيادة عن اثني عشر نائب ، وعامل ، ومباشر ، فكانت تمد لهم الموائد (٣) في كل يوم ثلاث مرات في صحائف الذهب والفضة وتفرش لهم بسط ممزوجة بشريط الذهب والحرير ، فإذا فرغوا من الأكل أتى كل واحد بطشت من ذهب وإبريق من ذهب مملوء بماء الورد ، ويدفع لهم المسك عوضا عن الأشنان لغسل أيديهم. فإذا قاموا بعث الملك إليهم تلك البسط والفرش والأواني وجميع ما على تلك الموائد فيفرقوا عليهم على قدر منازلهم ومراتبهم.
فقال الحجاج للذي أمر بذلك : والله لقد أفسدت عليّ ما كنت عزمت عليه.
ثم صنعت وليمة عظيمة اجتهد فيها جدّ اجتهاده. ثم طلب بعد ذلك شخصا يسمى : زاذان ، وقال له : هل بلغك أن أحدا من ملوك الأكاسرة صنع وليمة مثلها؟
__________________
(١) في المخطوط : تنخص ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : مبنيوا ، وهو تحريف.
(٣) في المخطوط : الموايب ، وهو تحريف.