الأول ثم الذي بعده ، وهكذا من واحد إلى واحد حتى ينتهي إلى المسجد (١). وكان رخامه أبيضا شفافا [صا](٢) فيا من معدن يقال له : السامور ، وليس هو كالرخام الذي هو في أيدي الناس الآن.
والذي دلهم على معدنه عفريت من الشياطين كان في جزيرة من جزائر البحر فدل سليمان على معدنه ، فأرسل بطابع من حديد لصاحب تلك الجزيرة ، مطبوع عليه بخاتمه. وكان الخاتم يرسخ في الحديد والنحاس ، فيطبع للجن بالنحاس ، وللشياطين بالحديد ، وكان الخاتم قد نزل عليه من السماء حلقته بيضاء وطابعه كالبرق ، لا يستطيع أحد أن يملأ بصره منه.
وعمله سليمان عملا لا يوصفه واصف ، ولا يبلغ كنهه أحد ، وزينه بالذهب والفضة ، والجواهر النفيسة ، في سمائه وأرضه وجدرانه بوابة. وأركانه / مما لا يقدر أحد أن يصف ذلك. ولم يكن يومئذ على وجه الأرض موضع مال أعظم منه ولا أحسن من زخرفته ولا أعظم من ترتيبه.
فلما رفع سليمان [عليهالسلام] يده من ترتيبه وبنائها وإحكامه ، جمع الناس وأخبرهم أنه [بنى](٣) لله مسجدا ، وأن الله أمره ببنائه وكل ما فيه فهو لله سبحانه وتعالى ، فمن انتقصه (٤) أو شيئا منه ، فقد خان الله تعالى. ثم جمع الناس جمعا لم ير قط مثله ، ووضع طعاما لم ير أكثر منه ، وجعل القربان في وجه المسجد ، وميز ثورين وأوقفهما قريبا من الصخرة ، ثم قام على الصخرة فدعا ، وقال : اللهم أنت وهبت لي هذا الملك منّا منك وطولا عليّ وعلى والديّ من قبلي ، وأنت ابتدأتني وإياهم بالنعم والكرامة ، وجعلته حكما بين عبادك ، وجعلته وارثا من بعده ، وخليفة في قومه وخصصتني بولايتك مسجدك هذا ، وأكرمتني قبل أن تخلقني ، فلك الحمد على ذلك.
اللهم وأسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال : لا يدخل إليه مذنب لا يعمد إلا لطلب التوبة أن تقبل منه توبته وتغفر له ، ولا يدخله خائفا لا يعمد إلا لطلب الأمن أن تؤمنه من خوفه وتغفر له ذنبه ، ولا يدخله مقحط لا يعمده إلا لطلب الاستسقاء أن تسقي بلاده ، وأن لا تصرف بصرك عمن دخله حتى يخرج منه ، يا رب إن أجبت دعوتي
__________________
(١) في المخطوط : مسجد ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : فيا ، بدون نصف الكلمة الأول وهو سقط أو سهو من الناسخ رحمنا الله وإياه بكرمه ، آمين.
(٣) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.
(٤) في المخطوط : أنقصه ، وهو تحريف.