ثم خروا وسجدوا من فجر الصبح.
فسلّط الله عليهم الطاعون إلى أن زالت الشمس ، ثم رفعه عنهم. وأوحى الله إلى داود : أن ارفعوا رؤوسكم فقد شفعتك فيهم.
فرفعوا رؤوسهم وقد مات منهم مائة ألف ، وسبعون ألف ، وهم سجود.
فنظروا إلى الملائكة يمشون بينهم بأيديهم الخناجر. ثم عمد داود فارتقى الصخرة رافعا يديه محدث لله شاكرا. ثم جمع بني إسرائيل بعد ذلك فقال : إن الله سبحانه وتعالى رحمكم وعفى عنكم ، فأحدثوا لله شكرا.
فقالوا : أؤمرنا بما شئت.
فقال : إني لا آمر بأبلغ في شكركم من أن تبنوا مسجدا على هذا الصعيد الذي رحمكم الله عليه تعبدوا الله فيه وتحمدوه وتقدسوه أنتم ومن بعدكم.
فقالوا : نفعل ذلك.
فاستأذن داود ربه فأذن له. فأقبل على بنائه ، وذلك لإحدى عشر سنة خلت من ملكه. وتوفي ولم يتم بناؤه ، فأوصى لسليمان ولده فبناه في ثمان سنين. ولما فرغ من بنائه أطعم بني إسرائيل فيه اثني عشر ألف ثور.
وقد روينا في النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أن سليمان عبد الله لما بنى مسجد بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا : سأل الله حكما يصادف حكمه ، فأوتيه. وسأل الله ملكا لا ينبغي لأحد بعده ، فأوتيه. وسأل الله أن لا يأتي أحد هذا المسجد لا ينهره إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه».
فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أما اثنتان فقد أعطيهما ، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة».
وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال : على شرط البخاري ، ومسلم.
وكان سليمان عليهالسلام لما همّ في بنائه جمع حكماء الأرض ، والجن والعفاريت ـ أي عفاريته ـ وعظماء الشياطين فجعل منهم فريقا يبنون ، وفريقا يقطعون الصخور والعمد ، وفريقا يغوصون البحر فيخرجون منه الدّر والمرجان ، وفريقا لإصلاح الأعمدة الرخام. وذكر أن قدر الدرة الواحدة كانت كبيضة النعامة وكبيضة الدجاجة. وجعل تحت الأساس قلال من نحاس مختومة بخاتمه.
وبنى حتى ارتفع البناء وفرق الشياطين في أنواع العمل فدأبوا في عمله وجعل فريقا منهم يقطعون معادن الياقوت والزمرد وألوان الجواهر وجعل الشياطين صنما مرصوصا بين معادن الرخام إلى حائط المسجد ، فإذا قطعوا من المعادن أو الحجارة / أو الرخام تلقاه