فلما رأيت ذلك قلت : ويلك يا إبراهيم ، قد علم بمكانك أمير المؤمنين وهذا العسكر جاء بسببك. فغيرت حليتي وتنكرت ، وخرجت من تلك الدار ولم يعلم بي أحد من أهلها / ولم أدري أين أذهب.
فسرت في دروب لا أعرفها ، ودخلت في درب فإذا باب عظيم ورحبة واسعة تدل على مقدار صاحب تلك الدار. فهجمت من خوفي بغير إذن عليه وعلى حريمه فلما رآني قام في وجهي وقال : ويلك حريمي وعيالي.
فقلت : خائف يطلب التخفي.
فقال : اصعد من هاهنا ، وأشار إلى باب فدخلته ، وإذا به سلم فصعدت منه إلى منظرة عظيمة ، فما وصلت إلا والخدام قاصدين نحوي بآلات الفرش والبسط وما لا بد منه. ثم صعد الرجل وتلقاني متلقى حسنا ، وأكرمني ورتب لي ما يكفيني أمثال ، فمكثت (١) عنده مدة لم يكن يسألني من أنا ولا [ما](٢) اسمي ، ولا أنا خائف ممن ، ولا ما حاجتي ، ولا إلى متى إقامتي. ومع ذلك كل يوم يركب بعد صلاة الفجر فلا يعود إلا إلى بعد الظهر.
فسألته يوما فقلت : يا مولانا أراك ملازما الركوب في كل يوم على صفة لا تغيرها؟
فقال : يا أخي ، إني أركب كل يوم كما ترى لأمر عظيم مهم.
فقلت : وما هو؟
قال : لي دين على غريم يقال له : إبراهيم بن المهدي ، أخو هارون الرشيد ، قتل أبي ظلما ، وقد بلغني أنه مختف في بلدنا ، وها أنا ملازم ما ترى لعلي أقع عليه فآخذ منه بثأر والدي.
فقلت له : قد قرّب الله عليك العناء ، أنا إبراهيم بن المهدي.
فقال : معاذ الله ، إنما أنت رجل خائف ، وقد طالت عليك مدة التخفي ، وقد كرهت الحياة ، فاخترت الموت بهذا المقال.
فقلت : لا والله ، إنما أنا إبراهيم بن المهدي ، وهذا الرجل الذي ذكرته ما قتله إلا أنا ، قتلته في يوم كذا بسبب كذا في بلد كذا.
فاحمرت عيناه عند سماعه كلامي وأطرق إلى الأرض ساعة ثم رفع / رأسه وقال (٣) : أما أنا فما أخفر ذمتي ولا أشين ضيفي ، وأنت وأبي فلكما وقفة بين يدي الله يفعل فيك ما يشاء ، غير أني لا أطيق أن أنظر قاتل والدي في داري ، فاخرج ستر الله
__________________
(١) في المخطوط : فمكث ، وهو تحريف.
(٢) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.
(٣) في المخطوط : رأسك قال ، وهو تحريف وسقط.