قال : فلما رأى ذلك منهم وكان دخل شهر رمضان طلب الضّمان (١) وكان ضمنهم لعشرة من أكابر أصفهان.
فحلف لا يفطر دون حضور المال أو يضرب أعناقهم ، ثم قدم واحدا فضرب عنقه ، وجعل الرأس في كيس وختم عليه ، ثم أمر أن يكتب عليه : فلان بن فلان وفّى ضمانه.
ثم قدم الثاني ، ففعل به كالأول. فلما رأى القوم الرؤوس توضع في الأكياس بدلا من المال ، قالوا : أيها الأمير توقف نحضر لك المال ، ففعلوا ، فلم يفطر حتى قبض المال جميعه.
فبلغ ذلك الحجاج ، فقال لمن حضره : كيف رأيتم فراستي في الأعرابي ، ولم يزل واليا عليهم إلى أن مات الحجاج.
ومثل (٢) ذلك :
قيل : أن الحجاج وقف بين يديه رجل عليه خراج ، فطالبه ، فاعتذر بشؤم / حظه في سنتة لقلة المطر وتلاف الزرع ، وبين يديه رجل آخر ، وقد أحضره من السجن ، وأمر بضرب عنقه ، فضرب ، فلما قدم لذلك والفلاح يعتذر للحجاج ، وإذا قد انفلتت من إسته ضرطة بغير قصده ، فقال : وهذه أيضا أيها الأمير من شؤم سنته. فضحك الحجاج ووهبه خراجه ، وأطلق الآخر وأعتقه.
فلما أطلق سارع إلى ذلك الفلاح وشرع يقبل إسته ويقول : ما أعظم بركة إست حطت الخراج وأحيت (٣) الموتى. فضحك الحجاج وأطلقه.
وكان في خلافة سليمان بن عبد الملك رجل يدعى خزيمة بن بشر ، وكان ذا مال عظيم وبزة ، وكان من الكرم إلى حد لا نهاية له ، فلا زال به الكرم حتى لزم بيته من شدة الفاقة.
وكان على الجزيرة واليا من قبل سليمان ، فجرى ذكر خزيمة وما صار إليه.
قال : فلما كان الليل قام والي الجزيرة ، واسمه عكرمة ، ووضع ضمن كيس أربعة آلاف دينار ، وخرج في الليل متنكرا حتى وقف على باب خزيمة ، فناوله الكيس ، وقال : اصلح بهذا حالك.
__________________
(١) في متن المخطوط : الزمان ، والتصويب من هامش المخطوط.
(٢) في المخطوط : ثم ، وهو تحريف.
(٣) في المخطوط : أجبت ، وهو تحريف.