فقال له أبو حنيفة : يا فتى هل أضعناك؟
فقال : حفظت / الجوار والجار ، ثم تاب من يومه ببركة الإمام.
ومما وقع للحجاج حين عصى أهل العراق :
قال : لما تغلبت الخوارج على البصرة بعث إليهم عبد الملك جيشا فكسروه ، فبعث إليهم بالمهلب بن أبي صفرة ، فلم يطقهم. فأرسل يطلب جيشا نجدة له ، فجمع أمير [المؤمنين] جيشه ثم قال : من للعراق؟ فلم يجبه أحد ، فقام الحجاج فقال : أنا لها.
فكتب عهد وأرسله ، فلما بلغ القادسية أمر الجيش بالنزول ثم دعا بجمل عليه قتب فركب وتنكر وأخذ كتاب أمير [المؤمنين] وسار حتى دخل الكوفة وحده.
وجعل ينادي : الصلاة جامعة. ثم دخل الجامع وصعد (١) المنبر ، فهموا برجمه ، ثم أمسكوا. فلما غصّ المجلس قال : إني أرى بالكوفة أبصارا طامحة ، وأعناقا متطاولة ، ورؤوسا قد حان قطافها ، وأنا قاطفها.
وكأني أنظر إلى الدماء (٢) وهي تتقاطر على اللحى. علموا أن أمير [المؤمنين] بث كنانته ، فوجدني أمرها طعما ، وأشدها بأسا ، وأمدها سنانا ، وأحدها حساما ، وأقواها جنانا ، وأفتكها قتلا ، فإن تستقيموا تستقيم لكم الأمور ، وإن تأخذوا عرضا عن الطريق تروني لكم بكل مرصد.
والله لا قبل غيره ولا أرحم لكم عبرة ، ولا أوقر كبيركم ، ولا أرأف على صغيركم.
يا أهل العراق ، ويا أهل الشقاق والنفاق ومساوىء الأخلاق ، طال ما أوسعتم في الضلالة ، وسلكتم سبل الغواية ، أيا عبيد العصا ، وأولاد الأمة ، أنا الحجاج ابن يوسف الثقفي ، فاعرفوني إن كنتم لم تعرفوني.
أما مثلكم فقال الله سبحانه وتعالى : (قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ ، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ / وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل : ١١٢].
فاستقيموا ، وإلا ما ثم إلا انتضاء السيف ولا أغمده إلا أن تصير الرؤوس ملقاة عن الأبدان.
واعلموا أن أمير [المؤمنين] أمركم أن تلحقوا بالمهلب (٣) بن أبي صفرة لحرب
__________________
(١) في المخطوط : وصل ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : الدنيا ، وهو تحريف.
(٣) في المخطوط : المهب ، وهو تحريف.