والناس يدخلون ، وكنت ممن دعي إليها ، فقلت للمجنون : ألا تدخل فتأكل؟ فإن الطعام كثير.
قال : وإن كان كثير فإني ممنوع منه.
فقلت : وما يمنعك والباب مفتوح ولا مانع من الدخول؟
فقال : آكل طعاما لم أدع إليه مع أني محتاج إليه ، لكني لا أرضى لنفسي / الدناءة ، ولا التطفل على الموائد ، ثم عاد راجعا ولم يدخل.
فقلت : ادعهم يأذنوا لك؟
فقال : لا أرضى بذلك لأن فيه سؤال مقرون بذلة.
ومما وقع وحكاه السرقسطي :
قال : كان يحيى الجزار رجلا أديبا فاضلا ، وكان في ابتداء عمره يعاني بيع اللحم والقصابة ، وكان شاعرا نديما. ثم لما عاشر الرؤساء والأكابر ونادمهم ترك القصابة.
فلما تغير حال الناس وقل خيرهم رجع إلى القصابة وبيع اللحم. فبلغ ذلك لرجل من مخاديمه يدعى أبو الفضل بن عقيل وكان حاجبا جليل القدر ، فأمر شخصا من ندمائه أن يعنفه على ما فعل.
فكتب إليه يقول :
تركت الشعر من عدم الإصابة |
|
وعدت إلى الجزارة والقصابة |
تركت لصحبة الحجاب عمدا |
|
ألا فارجع وعجل بالإنابة |
فرد الجواب :
تعيب عليّ عودي للقصابة |
|
ومن لم يدر قدر الشي عابه |
فلو أحكمت منّا بعض فنّ |
|
لما استبدلت عنها بالحجابة |
وإنك لو نظرت إليّ يوما |
|
وحولي من بني كلب عصابة |
لهالك ما رأيت وقلت هذا |
|
هزبر صير الأوضاع غابه |
فتكنا في بني المعري فتكا |
|
أقر الذعر فيهم والمهابة |
ولم نقلع عن الثوري حتى |
|
مزجنا بالدم القاني نصابه |
ومن يعتزم منهم بامتناع |
|
فإن إلى صوارمنا إيابه |
فيبرز واحد منا لألف |
|
فيغلبهم وتلك من الغرابة |
وحقك ما تركت الشعر حتى |
|
رأيت البخل قد أمضى شهابه |