والفصوص ، والطيب والأفاق وما هو لائق بالمملكة ، وصالح الرعية ، ثم أنها قدمت أرباب المملكة مثل الوزراء ، والحجاب وأرباب الوظائف والنواب ، ثم الكهنة ، والسحرة ، وأرباب العلوم والحكمة ، فرفعت أقدارهم ، وزادت معلومهم. ثم أنها أمرت بتجديد آلهتها ، وتجديد الهياكل / وتعظيمها ، فمن دخل تحت طاعتها قربته وأكرمته ، ومن خالفها بعثته إلى أتريب وأهانته ، وكان :
ملك أتريب يقال له : أندلس
عقد على رأسه تاج الملك ، وانتمى إليه جماعة من بني عمه. فلما بلغ حوريا أمره جهزت جيشا وأرسلته لمحاربته ، فسمع ذلك ملك أتريب فعلم أنه لا طاقة له عليها ، لما بلغت من اتساع مملكتها وكثرة جيشها ، ومع ذلك سحرها ، وكهانتها ، ومكيدتها ، وكثرة حيلها ، فأرسل قائدا يريد الصلح معها ، والسمع والطاعة لها ، وأرغبها بالمال والتحف والهدايا ، وخطبها ، فلما وصل إليها ذلك كله قبلته ، ثم قيل لها : إنه يريد منك أن تنعمي له بالزواج ، فإن رضيتيه فهو عبد ، وإن أبيتيه فهو ردّ ، فعمدت إلى طيب الطعام والشراب فمدت الموائد ، ونصبت الأخوان وهيأت فيه من سائر الألوان ، ودعت الناس أجمعين من أرباب مملكتها الخاص منهم والعام ، فأكلوا وشربوا ، ثم بذلت لهم الأموال ، ووهبت وأوسعت ، وأتحفت كل قوم ما يليق بهم فدعوا لها بدوام عزها وملكها.
ثم أنها عرّفتهم بأمر انداخس ، فقالوا : يلزم من هذا أنه يتولى أمرنا ، وتكوني من تحت أمره ورأيه يعلو على رأيك ، ولكن بقي رأي الملكة فيما تراه ، فمنهم من رأى بالتزويج ، ومنهم من لم ير لهذه العلة.
ثم أنها جهزت جيشا كثيرا وعسكرا عديدا ، وأمرتهم بمحاربة انداخس وسبي من خالفها وخرج من تحت طاعتها.
فخرجوا في جيش كثيف ، فوجدوا ملك أتريب قد خرج إليهم في عسكر عديد فهزموه وقتلوا كثيرا من أصحابه ، فانهزم عنهم طالبا ناحية الشام. وكان بها الكنعانيون ولد عمليق ، فاجتمع انداخس بمملكتهم واستغات ، وأخبروه بخبره مع عسكر حوريا ، ثم أنه جعل يرغبه في ملك مصر ويحرضه على أخذها وضمن له فتحها ، فانصاع له طامعا فيما ضمن له.
/ فجهز جيشا عظيما إلى مصر طامعا بها فبلغ حوريا أمرهم وما اجتمعوا عليه بكيدهم ومكرهم فجمعت العساكر والشجعان وأرباب القتال وأصحاب الحيل والحكم والسحرة ، وفتحت دار السلاح ، فأفرغتها للعساكر ، وأعطت لكل ذي فن ما يليق به ، القسي لأصحاب النشاب ، والعيدان والرماح للأبطال ، وأرضت الجميع بالخوذ والدروع