والزرد والدرق والكفوف ، وما هو معد للقتال ، واستشارتهم فردوا الأمر إليها ، ففتحت خزائنها وأثارت ذخائرها ، وقالت : خذوا ما تحتاجون إليه من الأموال ، فكل ما ترونه في تصرفكم ، وجميع ما احتجتموه منه دونكم. فازدادوا في محبتها وأذعنوا لطاعتها ، ثم أنهم ركبوا خيولهم ، واستعدوا لقتال عدوهم ، ثم بلغها أن أنداخس وجيشه وتوابعهم وملك الشام وعسكره قائمين ، وقد قاربوا الدخول إليهم ، وكان قائدهم واحد من عظمائهم اسمه : جيرون.
فاستدركت فرطها وأفكرت في حيلة تأخذهم بها ظئيرا لها من عقلاء النساء ، فقالت : اذهبي إلى جيرون ، فتلطفي في خطابك له ، وتأدبي معه ، فإن الملوك لا يخاطبون إلا بالأدب ، أو يسرع إلى المخاطب العطب ، فقولي : إنني قد سمعت بمعرفته وشجاعته وكرمه ، وإنني قد رغبت في تزوجه ، فإن فعل سلمت له الملك ، وإن لم يرض بنا فالبيداء تجمعنا.
فاجتمعت بالقائد ، ففرح فرحا عظيما وقال : أخبريها أنني تحت أمرها ، ومهما اختارته فهو كائن لها ، وعلى حسب اختيارها. فأرسلت له سمّا فدسته في طعام فأكله انداخس ، فمات من وقته ، وأرسل جيرون لها بخبره وإنجاز ما وعدته به.
فقالت : إنه لا ينبغي لي ذلك في بادىء أمرك لكن حتى تظهر أنت قوتك وشجاعتك وكرمك وطاعتك وحكمتك ، وتبني لنا مدينة تكون سببا لجمعنا ومنعنا لأعدائنا ، وأنني لا أريد زواجك حتى تظهر لي قوتك وإعجازك. وكان افتخارهم في ذلك الزمان بكثرة / البنيان وعمل التماثيل ونصب الأعلام.
فقال : ولها ذلك.
فأرسلت تأمره أن ينتقل هو ومن معه من العساكر والجيوش وأتباعهم إلى غربي مصر فامتثل لقولها ، وعمل بمقتضى رأيها ، وبنى لها مدينة في صحراء الغرب وسماها : قندومة ، وأجرى لها نهرا من النيل كبيرا وغرس حولها شجرا كثيرا ، وأقام فيها منارا عاليا ، وعمل فوقه منظرا ظريفا ومجلسا لطيفا وصفحه بالذهب والفضة ، وفرش أرضه بالزجاج المسبوك ، والرخام الملون ، وأبدع في عمله ومع ذلك كانت ترسل فتمدّه بالأموال وتوسع عليه لأجل العمال.
فلما فرغ من بنائها أرسلت تخبره أن لها مدينة قد خربت أكثرها على أن تجدد ما دثر فيها ، وأن يشيد حصونها ، فإذا أتم صلاحها ، أرسل عرّفني حتى أنتقل إلى مدينتك التي أنشأتها ، واقسم جيشك أثلاثا وأنفذهم طائفة بعد طائفة.
وكان قد أخذ بناء الإسكندرية الثانية وقد نفذ جميع ما معه من المال قبل إتمامها