فسمعت حوريا فأرسلت له مائة ألف فاعل فأقاموا مدة يبنون أنهارا فتخرج أشكال من البحر في الليل فيهدمون ذلك فلا يصبح له أثر ، فأعياه ذلك ، وحير في أمره. وكانت حوريا أرسلت له ألف رأس لبون يأكل منها هو والفعلاء والصناع والمهندسين فسلمها لمن يرعاها. فكان يطوف بها من ناحيته من ذلك البحر فيطلع له في الليل جارية حسناء ، فيراودها الراعي فتقول له : إن صرعتك فلي من أغنامك شاتين ، وإن صرعتني فدونك والذي تريد ، فقعدت عدة ليالي تطلع له وتصرعه ، فتأخذ منها هكذا حتى راحت على أكثر من نصفها ، فمر به جيرون يوما وسأله عن غنمه ، وما جمع من أصوافها وألبانها ، فأخبره بما جرى له مع الجارية.
فقال : ومتى يكون خروجها إليك؟
قال : أول الليل.
قال : أعطني ما عليك من اللباس. فلبسه وجلس (١) ، فلما / خرجت قال لها ما قال.
فقالت : صارعني ، فصرعها ، فقالت : إن كان ولا بد ، فصاحبي الأول أحق ، فردها إليه ، وقال له : سلها عن أمر هذا البنيان ، وهل في ثباته من حيلة ، فلما قال لها ، دلتهم على أشياء فعلوها ، فامتنعت الأشكال وتم له البنيان. ثم أن جيرون قال للراعي : قل للجارية إن المال جميعه نفذ ، وانظر ماذا تجيبك؟ فأخبرها ، فقالت : إن المدينة التي خربت فيها ملعب مستدير حوله سبعة أعمدة على رأسها تماثيل من صفر قيام يقرب كل تمثال منها ثورا سمينا ، ويلطخ العمود الذي تحته بدم الثور ، ويبخره بشعرات ذنبه وشيء من نحاسة قرونه ، وأظلافه ، ويقول له : هذا قربانك على أن تطلق لي ما عندك ، فإذا فعلت ذلك فقس من كل عمود إلى الجهة التي هي تجاه التمثال مائة ذراع ثم احفر ، ويكون ذلك في امتلاء القمر ، واستقامة زحل ، فإنك تنتهي بعد خمسين ذراعا إلى بلاطة عظيمة ، فالطخها بمرارة الثور فتنفتح ، فتنزل منها إلى سرب طوله خمسون ذراعا ، في آخره خزانة مقفلة ومفتاح تحت عتبة الباب ، فخذه ، والطخ الباب بما بقي معك من مرارة الثور ودمه ، ويبخر بنحاسة قرونه وأظلافه وشعره ، وادخل الباب بعد أن تخرج الرياح التي فيه ، فتستقبل صنما في عنقه لوح من صخر معلق مزبور (٢) فيه جميع ما في الخزانة من مال وجوهر وأعجوبة وتمثال ، فاحمل منه ما شئت ، وهناك ميت ، فلا يتعرض له ولا لما عليه ، وهكذا تفعل بكل عمود وتمثاله ، فإنك تجد مثل ذلك ، وهذه نواويس سبع ملوك وكنوزها.
__________________
(١) في المخطوط : جالس ، وهو تحريف.
(٢) أي : مكتوب.