ففعل كما قالت ، فنقل منها مالا كثيرا ووجد في ذلك المكان درع من زرود ، وهو من ذهب مختوم بطين من ذهب فيه مكحلة من زبرجد ، فيه زرور أخضر وميلها عرق من جوهر أحمر من اكتحل / من ذلك الزرور ، وكان أشيبا عاد شعره أسود يصير ناظرا لأصناف الروحانيين. ووجد تمثال نمس من ذهب إذا ظهر تغيرت السماء وأمطرت.
ووجد تمثال غراب من حجر من استخبره عن شيء صوت وأجابه. فضم ذلك جميعه إليه واستغنى غناء كثيرا. فبلغ حوريا أمره ، فشق عليها ذلك وكادها وما كان غرضها إلا أن تبعده وهلاكه ونفاذ ما معه.
وعند جيرون أنها على ظاهر كلامها أولا من أمر تزويجها إياه وجلوسه على سرير مملكتها ، وقالوا في المثل السائر : «قلب الأسد مأمون وقلب الآدمي مسمون» (١). ثم أن جيرون أرسل يعلمها بإتمام البناء ، وتمهيد البلاد لتجهز للمسير إليه من غير تأخير ولا مهلة ، بل تسرع في النقلة. فلما وصل إليها الخبر أخذت منه الحذر ، ثم أنها قالت : لا تؤخذ القلاع إلا بالحيل ، ولا تخدع الملوك إلا بالتحف. فعمدت إلى أفخر ما عندها من الفرش ، وقالت لرسولها : قل له يجعل هذا في المجلس الذي يجلس عليه ثم يقسم الجيش أثلاثا ، وينفذ إليّ ثلثا بعد ثلث ، فإذا بلغ ثلث الطريق انفذ إليّ الثلث الآخر ، هكذا إلى أن أصل إليك ، والجيش يقدمني ، ويخلفني ، فيكون ذلك حفظا لي ، فخرة لك ، فإذا وصلت إليك ، فلا تدع عندك أحدا في المجلس غير صبية للخدمة فإني موافية بجوار يكفينك الخدمة ولا أحتشمهن إذا خلوت معك. وحملت جهازا كثيرا يليق بالملوك مع أموال كثيرة وركبت في جيشها ، فلما علم بمسيرها أرسل الثلث الأول ، فلما رأتهم أشارت إلى جواريها ، استنزلتهم ثم ميدت طعاما وسمّته ، فأكلوا ، فلم يصبح منهم متحرك ، وهكذا فعلت ببقية الجيش.
فدخلت إليه هي والساحرة التي أرسلتها له لما قدم مصر ، فسألها عن العسكر ، قالت : وكلتهم بحفظ ملكي ، وغمزت الساحرة فنفخت في وجهه نفخة أبهتته /. ثم رشت عليه شيئا معها ارتعدت منه مفاصله ثم أنها خلصت رأسه وأرسلت بها إلى قصرها ، وشربت من دمه ، وقالت : دماء الملوك شفاء ، ونصبتها ، وحملت جميع تلك الأموال إلى منف ، وأقامت منارا بمدينة بالإسكندرية ، وزبرت عليها اسمها واسمه وما عملت معه ، وأرّخته ووصل خبرها الملوك الذين يتاخمون بلدها ، فعند ذلك أهابوها وأذعنوا لها ، وقدموا لها التحف والهدايا الثمينة ، وعملت بمصر عجائب كثيرة ، وبنت على حدّ مصر من ناحية بلاد النوبة حصنا عظيما ، وقنطرة يجري من تحتها ماء النيل ، فلما اعتلّت أوصت ووهبت وأعطت وقلدت ابنة عمها.
__________________
(١) راجع : موسوعة الأمثال العربية والعامية ، من تأليفي.