دليفة بنت مامور
وكانت عذراء من عقلاء النساء وكبرائهن فسلمت إليها مفاتيح خزائنها وكنزها وأطلعتها على جميع ذخائرها ، وأوصتها أن تضمد جسدها بالكافور ، وتحمله إلى المدينة التي بنيت لها في صحراء الغرب ، وكانت قد عملت لها فيها ناووسا مرخما ، وعملت فيه عجائب كثيرة ، ونقلت إليه أصنام الكواكب ، وزينته ، وأسكنت المدينة كثيرا من الكهنة ، وأهل الفنون ، فلم تزل حتى أخربها بخت نصّر.
وأما دليفة : فإنها جلست على سرير مملكتها وأحسنت إلى الناس ووضعت عنهم خراج السنة فأحبوها ، وتيامنوا بها واجتمعت الكلمة.
وكان ملك أتريب خلف ابن أخته واسمه : أيمين ، فلما سمع بأمر دليفة ، غار على ملك خاله ، وأخذ في أخذ ثأره ، فجمع جيشا كثيرا. وجهزت دليفة عسكرا كثيفا ، وكانت السحرة تظهر بينهم التحاييل الهائلة والعجائب البينة والأصوات المرجفة.
فتلاقوا ، وأقاموا مدة والحروب ثائرة بينهم ، وهلك منهم خلق كثير ، وكان ذلك بالعريش ، فانهزم أصحاب دليفة إلى منف فتبعها أصحاب أيمين ، وقصوا آثارها ، فنزلت ببلاد الصعيد بالأشمونين في جمع كثير من جيوشها / وأنفذت جيشا لجيش أيمين ، فالتقوا بناحية الفيوم ، واستنجدت دليفة بأهل مدائن الصعيد ، فأطاعوا ، فخرجوا على أيمين ، وحاربوه حتى أنزلوهم على منف ، وهزموهم حتى ركبوا المراكب وعدوا البحر إلى ناحية الخوف. فلما تمادى بهم الأمر اصطلحوا على أن يقسموا البلاد بينهما فكل منهما أجاب إلى ذلك. ثم أن دليفة غدرت فعمدت إلى ما عندها من الخزائن والذخائر والأموال ففرقتها على الجيش وأثاروا الحرب بينهم ثانيا ، فأقاموا على ذلك ثلاثة أشهر فظهر أيمين عليها فزحفت عنهم إلى ناحية قوص فسار خلفها فضاق عليها أمرها فأسمّت نفسها فماتت لوقتها.
وملك ايمين :
فلما استقر به الأمر طغى وتجبّر ، وتفلّت على الناس ، وقهر واستولى على كثير ممن حاربه فقتلهم ، وسلب نعمتهم. وكان أمر مصر رفع إلى الوليد ، وقالوا : قد آل حكمها وملكها للنساء ، فوجه إليها غلاما له اسمه عون ، وجيش معه جيش كثير يكشف خبر مصر ، فدخل إليها وقطن بها واحتوى على شيء من أموالها وفتك بها وظلم فكان على ذلك برهة من الزمان ، فاستبطأه الوليد وقال : لعله هلك ، فإنه بلغني أن مصر كثيرة الطلسمات والسحرة والمهالك ، ثم اتصل خبره أنه مقيم بها ، وأنه فعل كذا وفعل كذا ، وذكروا عنه أشياء كثيرة ارتكبها ، فتجهز للمسير إليه ، فسمع عون بمسيره إليه ، وكان