يخافه خوفا شديدا ، فخرج إليه فلاقاه فأراد أن يسطو به ، فحلف له أنه كان على المسير إليه ، وإنما أراد تمهيد البلاد وإصلاحها ، وتوطئة أهلها وأخذ أموالها وكان :
الوليد :
رجلا جبارا عنيدا مفتريا فقتل منها جماعة من سحرتها وكهنتها ، ثم خطر له أن يسير منها مغربا حتى يقف على مصب النيل ويجروا بناحية ، فأقام ثلاث سنين يستعد لخروجه حتى هيىء كل ما يحتاج إليه من عدة وسلاح وغيره من زاد مبلغ ومتاع.
/ فخرج في جيش كثيف وما يتبعهم من أتباع ، ومتفرجين ، وغلمان ، واستخلف عونا مكانه ، فتبعه من تبعه وما تخلف عنه إلا قليل ، وسار سيرا مجدا ، فجعل لا يمر بأمة إلا أبادها وأخذ أموالها ، فأقام في سفره عدة سنين ، وجاز على أمم من السودان ، ومرّ على أرض الذهب وهي آخر بلاد علوة ينبت فيها الذهب قضبانا ، حتى وصل إلى البطيحة التي ينصب فيها ماء النيل من أنهار تجري وتخرج من تحت جبل القمر ، ثم سار حتى بلغ هيكل الشمس فدخله ، وخوطب فيه ، ثم سار حتى بلغ جبل القمر ، وهو جبل شاهق زائد العلو ، وهو خارج عن خط الاستواء لا يطلع عليه شمس ولا قمر ، فتأمل الجبل فرأى ماء النيل يخرج من تحته ويمر في طرائق كالأنهار الدقاق ، فينتهي حظيرتين ، ثم يخرج منها إلى نهرين ، ثم ينتهي إلى نهر آخر ، ثم يجوز خط الاستواء. وذكر قوم أن نهر مهرام مثل النيل يزيد وينقص فيه تماسيح وأسماك مثل أسماك النيل ، وهو يخرج من تحت جبل القمر.
وحكي عن الوليد :
أنه وصل القصر الذي فيه تماثيل النحاس التي عملها هرمس الأول في وقته يورد شير الأول بن قفطين بن مصريم بن حام بن نوح عليهالسلام ، وهي خمس وثمانون صورة جعلها جامعة لماء يخرج من ماء النيل بمعاقد ومصاب مدبرة وقنوات يجري الماء فيها ، وينصب إليها إذا خرج من تحت جبل القمر حتى يدخل تلك الصورة فيخرج من هذه الصورة ينصب إلى الأنهار التي ذكرناها ، ثم تصير منها إلى البطيحتين ، ثم ينتهي إلى البطيحتين الجامعة للماء الذي يخرج من تحت جبل القمر ، وجعل لتلك الصور مقادير من الماء الذي يكون لصلاح البلد التي تمر بها فينتفع به أهلها دون الفساد ، وذلك الانتهاء المصلح ، ثمانية عشر ذراعا بالذراع الذي مقداره اثنتان وثلاثون / إصبعا ، فما زاد عن هذا المقدار عدل عن يمين تلك الصور ويصار إلى مشارب تخرج عن يمين القصر ويساره ، وتصب في رمال وغياض من خلف خط الاستواء. فلا ينتفع بها ، ولو لا هكذا لغرّق الماء البلدان التي يمر عليها ، فسبحان مقدر الأشياء ومدبرها لا إله إلا هو.