فاشتراه العزيز ليهده للريان ، فرأته امرأة العزيز ، فأحبته ، وزاد شغفها به ، وكتمت أمرها فزاد بها ، فأظهرته ، ثم أنها تزينت وتعطرت وخلت به ، وأرادت أن تقبّله ، فامتنع فراودته عن نفسه ، فامتنع ، فهم كذلك إذ وافاهم العزيز ، فرأى يوسف عليهالسلام قد فرّ منها وهي خلفه قد أخذت بذيله ، وقدّ من قوة الجذب فرأته ـ يعني فرأت العزيز ـ فقالت ما قالت ، ورد قولها بما فعلت / فقال ليوسف عليهالسلام : أعرض عن هذا الاعتذار ، فإنه من كيدها ، وقال لها : استغفري لذنبك.
وقد اتصل الخبر بالملك ، فأرسل إلى العزيز ، فامتنع ، وكان الريان قد رجع إلى ما كان عليه أولا من الاشتغال بتنزهه ولذاته ، وانعكافه على هواه وشهواته على أن العزيز قائم بتدبير مملكته ، والناظر بصالح رعيته.
وقد سمع بعض النساء بخبر زليخا ويوسف عليهالسلام وعايروها بذلك ، فأحضرتهن ، وصنعت لهن طعاما مفتخرا ومدت لهن (١) وفرشت لهن مجلسا بالديباج الأصفر المذهب ، وفرشت ليوسف عليهالسلام مجلسا لطيفا مقابل لمجالسهن ، وأرخت عليها ستور الديباج ، وأطلقت مجامر النّد والعود القاقلي واللبان الطيب ، وزينت يوسف عليهالسلام أحسن زينة ، وألبسته أفخر الثياب ، ونظمت شعره بأصناف الفصوص الثمينة ، واللآلىء والجواهر الثمينة اليتيمة ، وألبسته ثوبا من الديباج الأصفر المنسوج بدارات حمر من الذهب الأبهر ، ومن تحت البطانة غلالة خضراء ، وجعلت فيه مخيلات شبه الطيور كأنها تلعب تحتها ، وتوجته بتاج مكلل منظوم بأصناف الدر والجوهر والياقوت الأحمر ، ومدت أطراف شعره فوق جبينه ، وردت ذؤابتيه على صدره ، وأسبلتها على طوق قنائه بين كتفيه ، ونظمته باللؤلؤ والذهب ، وعنقته بطوق من الذهب مشذر بجواهر حمر ودرّ فاخر ، وجعلت في وسطه منطقة من ذهب ، فيها كواكب جواهر ملونة مغاليقها منظومة بأصناف الياقوت ، وألبسته خفين أبيضين منقوشين بكمنخت أخضر يحوطه نقش مذهب وجعلت قباه وشاحين على كتفه ، بفرادر تحيط بطرفيه ، وأسفله ، وكميه منظمة بجوهر أخضر ، وعقربت صدغيه على خديه وكحلت مقلتيه ، ثم بعد ذلك كله رفعت له مدية من ذهب شعرها أخضر ، فلما فرغت من ذلك كله قالت : أخرج عليهن.
وأعطت / لكل واحدة منهن سكينا نصابها جوهر ، وطرحت الأترج بينهن ، وقالت : دونكن قطعن وكلن ، وقدمت لهن شرابا ، فلما اطمأن بهن المجلس تحادثن ، ثم أن زليخا أقبلت عليهن ، وقالت : قد بلغني ما قلتن فيّ.
فقلن : كما هو بلغك لأنك منزهة عن مثل هذا لأبناء الملوك ، فكيف يكون مع
__________________
(١) في المخطوط : لهم ، وهو تحريف.