غلام مع ما أنت عليه من الحسن والجمال والعقل والشرف؟
فقالت : كلام نقل. ثم أمرت للجواري أن يرفعن ستارة المجلس ، فلما خرج عليهن أشرق نور من جبهته كاد
يخطف أبصارهن فوقف على زليخا يذب عنها بيده. فلما رأينه نظرن إليه وبهتن وجعلن يقطّعن أيديهن ولا يدرين.
فقالت لهن زليخا : أراكن قد أشغلكن رؤية الغلام عن سماع الخطاب!
فقلن : معاذ الله ليس هذا بغلام ، وإنما هو ملك كريم.
قالت : فذلك الذي لمتنّني فيه.
فقلن : ما ينبغي لأحد أن يلومك. وجعلت كل واحدة منهن تدعوه لنفسها ، فلم يجب منهن أحدا ، فعاودته زليخا ، فأبى عليها. ثم بدا لها أن تسجنه بعد أن تسلبه ما ألبسته ، فعلم بذلك يوسف عليهالسلام ، فقال : ربي ، السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه.
فلما سجن استأنس به أهل السجن ، فأحبوه ، وكان يحادثهم ويعبر لهم رؤياهم ، ويعدهم بالفرج ، فلما رأى الملك ما رأى ، وفسر له رؤياه خلصه من السجن ، وألبسه ما يصلح له ولمجالسته الملوك ، فلما حضر عند الملك جالسه وحادثه وألقى الله محبته في قلب الريان ، فسأله ثانيا عن تأويل رؤياه ، فأخبره بذلك.
قال : ومن يقوم لي بذلك؟
قال : فإني حفيظ عليم. فخلع عليه خلع الملوك ، وتوجه بتاج بعد أن كلله ، وأمر خاصته أن يطوفوا به ، ثم يردوه إلى قصره ، ففعلوا.
وكان العزيز قد هلك ، فأقامه مكانه ، وأجلسه على سرير مملكته ، وزوجه امرأة العزيز ، واعتذرت له زليخا ، وقالت (١) : إن العزيز كان عنينا لا يأتي النساء.
فكان على المملكة بالعدل / والحكم وإصلاح الدولة والنظر في مصالح البلد والرعية ، والرفق بالاعتبار ، ومواساة الفقراء ، وافتقاد الأرامل والزمناء ، والتوسعة على العمال ، والنظر في حق (٢) الضعفاء ، ومساعدة المديونين ، وموالاة الغرباء والمساكين.
فلما أن قلّ بمصر سنين الجدب عمد إلى الشون والحواصل من الغلال ومخازن الحبوب من أمتعة الناس ، والدواب ، والأنعام بعد أن كادت مصر تخلو من أهلها من غلو الحبة حتى بيع القمح بالجوهر بعد الدواب والثياب والأواني والعقار ففرق منها ووهب
__________________
(١) في المخطوط : قال ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : الحق ، وهو تحريف.