واستطاعوا أن يعرفوا مواقيت المطر والغيوم وبخر البحور والمحيطات ، وما يكون إذا كانت الشمس في مدار معين من مداراتها وما هو تأثير ذلك على النجوم والهواء والسحاب وكيف تكون حالة الجو في مثل تلك الأحوال. واستغلوا ذلك في أمور كثيرة ، كالاتصال والرؤيا مستغلين ذلك الفراغ الكوني الشاسع ، والذي بدأنا نحن في معرفته بعد استخدامهما في علوم الاتصال والرؤيا من خلال التلفاز (المرناة) والهاتف النقال (المسراة) وهو ما يسمى بالموبايل. وكذلك برعوا في علوم الجغرافيا ، فعلموا طبائع الأرض وخصائصها وخصائص الأحجار ، وجيولوجية كل أرض ، فاختاروا من أحجارها ما أقاموا به القصور التي واجهت العوامل الجوية فعاشت أبنيتهم الهندسية والمعمارية إلى أن وصلت إلى عصورنا وإلى متى ستصمد ، فالله وحده هو الذي يعلم. ووصلت إلينا جثث موتاهم التي حنطوها منذ آلاف السنين.
واستطاعوا أن يبنوا المنارات الشهيرة كمنارة الإسكندرية التي كانون يرون فيها ما يدور في أوربا وكأنهم يشاهدون مباراة بين فريقين نشاهدها نحن اليوم ظانين أننا قد سبقنا من سبقنا سبقا كبيرا وفي الحقيقة أننا قد تخلفنا عنهم كثيرا وكثيرا.
أمكنهم عمل المرايا التي ينظرون فيها فيرون أقطار ممالكهم فيعرفوا مناطق الجدب والإخصاب فيستطيعون أن يقدروا من خلالها مقدار ما عليها من خراجات وفروض.
وكذلك تمكنوا من معرفة نوع الجنين ما إذا كان ذكرا أو أنثى من خلال حبات القمح والتبول عليها ، وكذلك من خلال حشرة القمل ، وذلك بوضعها في لبن ثدي المرأة الحامل.
وخلاصة ما أريد أن أقوله هو : أننا في الواقع برغم هذا التقدم العلمي المبهر في مجلات العلوم إلا أننا من وجهة نظري نعتبر قد تخلفنا عن ركب ما يجب أن نكون عليه من العلم الآن بما لا يقل عن ألف سنة بل يزيد فكان يجب أن تكون تلك الاكتشافات قد مضى عليها هذا القدر من الزمان وكان يجب أن نكون قد تقدمنا كثيرا جدا عنهم.
ولئن سألتني عن السبب أجبتك : أن السبب في ذلك ليس إلّا في خبث هؤلاء الكهنة الذين أبوا أن ينشروا علومهم حفاظا على مكانتهم لدى أصحاب السلطان ، وليظل الناس يرهبونهم ويقدسونهم.
فقد كان الناس يقدرونهم قدر الأنبياء عندنا ، والحكام يرهبونهم لما تمكنوا فيه من العلوم ، فالأنبياء يوحى إليهم وعلومهم روحية علمها لهم شديد القوى ، وليست علوم مكتسبة ، أما هؤلاء فعلومهم مكتسبة ولو علموها لمن بعدهم لصار حالنا غير ما هو عليه الآن من تقدم ورقي.
فعلينا أن نبذل جهدا جهيدا كي ندرك شيئا من مكنونات هذا الكون الغريب