لربما يقال : إن فعل النبي «صلى الله عليه وآله» وقوله ، وتقريره ، حجة. وقضية الإسهاء تنافي ما اتفق عليه المسلمون من حجية فعله ، بل وتنافي حجية قوله أيضا. وهذا يبطل الوثوق به ، والاعتماد عليه ؛ وهو مناف لحكمة النبوة والرسالة (١).
ويمكن أن يجاب عن ذلك ، بأنه إنما ينافي حجية فعله وقوله لو أقر على سهوه وأخذ الناس الحكم الخطأ عنه ، وأما إذا لم يقره الله عليه ، بل بينه له وللناس بنحو ما ، فإنه لا مانع منه ، لا عقلا ولا شرعا (٢).
أما نحن فنقول : إن أحدا لا ينكر قدرة الله تعالى على التصرف بنبيه ، ولكننا نقول : إن حصول هذا الأمر أعني : إنساء الله تعالى لنبيه الأكرم «صلى الله عليه وآله» لمصلحة يراها ، يصطدم بمقولة : إن هذا ما هو إلا إحالة على مجهول ، وما ادعي من عدم إقرار الله تعالى له على السهو لا يكفي في حفظ كرامة النبي «صلى الله عليه وآله» ، والاطمئنان إلى ما يصدر عنه «صلى الله عليه وآله» ، بما يكون له طابع الفورية وعدم المهلة ، حيث لا تبقى فرصة لظهور الخلاف. كما أن ذلك يسيء إلى قداسة النبي «صلى الله عليه وآله» بنظر الناس ، وذلك ظاهر لا يخفى.
هذا ولا بأس بالتعرض هنا إلى العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، ثم العصمة عن الذنوب ، وأنها جميعا هل هي اختيارية أم لا؟!
فالبحث يقع في ناحيتين :
__________________
(١) راجع : دلائل الصدق ج ١ ص ٣٨٤ ـ ٣٨٦.
(٢) راجع : فتح الباري ج ٣ ص ٨١.