الأفق ، لأنهم اطلعوا على ما لم يطلع عليه أولئك الأنبياء من أنواع المعارف الدينية ، والتاريخية وغيرها.
هذا التوجيه لا ينسجم مع منطق القرآن ، الذي يجعل ملاك الموازنة ، ثم التفاضل هو التقوى والعمل الصالح : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(١).
وفي الحديث القدسي ما معناه : «لأدخلن الجنة من أطاعني ولو كان عبدا حبشيا ، ولأدخلن النار من عصاني ولو كان سيدا قرشيا».
فلا بد أن يكون المقصود بالعلماء الذين هم مثل أنبياء بني إسرائيل أو أفضل منهم ، أناسا معصومين كأولئك الأنبياء ، ويزيدون عليهم بإدراكهم ورؤيتهم رأي العين أثر كل حركة ، وكل تصرف على الأجيال وعلى الأمة. هذا مع كونهم قد عاصروا ، وعرفوا ، واطلعوا على تواريخ وعقائد وتحولات عصور وأمم ، وواجهوا ظروفا ومشاكل مختلفة ، تزيد على ما واجهه ، وعرفه أنبياء بني إسرائيل. بالإضافة إلى أنهم يملكون الطاقات والقدرات الهائلة التي تؤهلهم لاستيعاب كل المعارف ، وكل الأحداث وإدراكها ، والتفاعل معها ، ومعرفة أبعادها وآثارها ، مهما دقت أو جلت ، قربت أو بعدت ، ولتصير عصمتهم أكثر عمقا وأصالة ، وأكثر دقة ، وأبعد أثرا ، حسبما فصلناه.
ولم نجد في التاريخ أناسا من هذا القبيل ألا أولئك الذين جعلهم الرسول «صلى الله عليه وآله» أحد الثقلين ، وعدلا للكتاب العزيز ؛ وأوجب على الأمة التمسك بهم ، والاهتداء بهديهم ، والائتمار بأوامرهم ،
__________________
(١) الآية ١٣ من سورة الحجرات.