إلا سعد بن معاذ ، لقوله : يا رسول الله ، الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال (١).
ولعل هذا هو الصحيح ؛ ولكن قد حرف لصالح الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، لأهداف لا تخفى.
وإنما قلنا : إنه هو الصحيح ؛ لأنه أسد الآراء ، وهو الموافق لمراد النبي «صلى الله عليه وآله» ، أما رأي عمر ، فقد كانت تعوزه الدقة والموضوعية ، كما سنرى إن شاء الله ، وكذلك سائر الآراء ، فإنها لم تكن صادرة عن نوايا سليمة ، ولعلها أو بعضها كانت بإيحاء وطلب من المشركين أنفسهم ، كما تقدم عن الواقدي.
وأما أبو بكر وغيره من الأنصار ، فقد تقدم أنهم أصروا على أخذ الفداء ، طمعا بالمال ، وطمعا في أن يخففوا من حدة عداء قريش لهم. وأيضا لأن فيهم الإخوان والأهل والعشيرة ـ على حد تعبير أبي بكر ـ ولأن هذا الأخير قد وعد الأسرى بأن يبذل جهده لصالحهم ، كما تقدم عن الواقدي.
وقد حاولوا أن يقنعوا النبي «صلى الله عليه وآله» بوجهة نظرهم ، ولو بالأساليب العاطفية ، كقولهم له : «أهلك ، وقومك ، وأسرتك ، أتجذ أصلهم». كما أن أبا بكر قد أقام دليلا مصلحيا على ذلك ، وهو أن يتقوى المسلمون بما يأخذونه من الفداء.
ولكن النبي «صلى الله عليه وآله» ظل يكره ذلك ، ولا تقنعه أقوالهم ؛ فإن رأي ابن معاذ هو الصحيح ، مضافا إلى اعتبارات أخرى ، لم تكن لتخفى
__________________
(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ١٧١ ، وراجع : الثقات ج ١ ص ١٦٩.