فقال : «فافعل ذلك بالأسارى كلهم» (١).
وهذه هي الرواية القريبة والمعقولة ، التي تمثل عدل النبي «صلى الله عليه وآله» ودقته في مراعاة الأحكام الإلهية ، وصلابته في الدين. وهي المناسبة لمقامه الأسمى ، وما عرف عنه من كونه لا تأخذه في الله لومة لائم. لا تلك الروايات التي تمثل النبي «صلى الله عليه وآله» متحيزا إلى أقاربه ، وأنه هو الذي طلب منهم أن يرخوا من وثاق العباس فقط ؛ فإن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن ليرفق بأقاربه ، ويعنف بغيرهم. والرواية التي تقول هذا لم ترد على الوجه الصحيح والكامل.
إلا أن يقال : إن علم النبي «صلى الله عليه وآله» بأنه قد خرج مكرها ، فكان ذنبه أخف من ذنب غيره ، يبرر أن يتصرف تجاهه بهذا النحو.
ونقول : إن الأمر وإن كان كذلك إلا أن النبي «صلى الله عليه وآله» وعدله إنما يقتضيان أن يعامل العباس كغيره من الأسرى ولا يفسح أي مجال للإيراد والإشكال. ولذلك نرى أنه لما قال له العباس إنه خرج مستكرها ، قال له النبي «صلى الله عليه وآله» : «أما ظاهر أمرك فقد كنت علينا» كما سيأتي عن قريب.
والظاهر : أن مكان العباس كان قريبا من النبي «صلى الله عليه وآله» ، فمنعه أنينه من الراحة ، لا أنه كان يعطف عليه خاصة دون غيره من الأسرى.
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٩٠ ، وصفة الصفوة ج ١ ص ٥١٠. وعند عبد الرزاق في المصنف ج ٥ ص ٣٥٣ : أن أنصاريا قال له «صلى الله عليه وآله» : أفلا أذهب فأرخي عنه شيئا؟ قال : إن شئت فعلت ذلك من قبل نفسك ، فانطلق الأنصاري ، فأرخى عن وثاقه ، فسكن «صلى الله عليه وآله» ونام ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٤١٠.