ثم إننا لا ندري لماذا يعاقب البدري في الدنيا ، إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه قد منع عمر من عقاب حاطب الذي خان الله ورسوله ، وكتب للمشركين بأسرار المسلمين ، واحتج الرسول «صلى الله عليه وآله» لهذا المنع ـ حسبما يدّعون ـ ببدرية حاطب؟!
وإذا كان الله قد غفر لهذا البدري ، فلماذا يعاقب في الدنيا؟!
أليس عقابه حينئذ يكون بلا ذنب جناه؟
ولا خطيئة اقترفها؟!
والحقيقة هي أن الحلبي : لما رأى عمر قد أقام الحد على قدامة ، اضطر إلى عدم إسقاط العقاب الدنيوي عن أهل بدر ، ولو لا ذلك لكنا رأيناه يسقطه أيضا ، محتجا بإسقاط النبي «صلى الله عليه وآله» له عن حاطب. ولكن وبعد أن كان المعني هو عمر بالذات ، فلا بد من بناء الفقه والأحكام على أساس فعله ، وعدم الالتفات إلى فعل النبي «صلى الله عليه وآله» وقوله وتقريره!!
نعم ، لقد استنبط الحلبي كل هذه الأحكام من الحديث الشريف الذي عبر بكلمة : «(لعل) فليت شعري : كم كان سوف يستنبط من الأحكام لو أنه ثبت لديه الجزم بالمغفرة لهم كما ذكرته رواية أخرى»؟!.
ولكن الحقيقة هي أن حديث المغفرة لأهل بدر ـ لو صح ـ فلم يكن فيه كلمة «اعملوا ما شئتم». والمغفرة إنما هي بالنسبة لما سبق لهم من ذنب ، وإذا كانت هذه الفقرة ثابتة كان المراد بها : فليستأنفوا العمل ، فلسوف يجازون بحسب ما يعملونه فيما يأتي ، لا أن المغفرة تكون بالنسبة لما سوف يقترفونه بعد ذلك أيضا.
ولو كان قوله : «اعملوا ما شئتم» ثابتا ويراد به المغفرة للذنوب الآتية