نعم ، وقد :
١ ـ صار ذلك شعار الشيعة ، فإنهم كانوا لا يبدأون أحدا بقتال أيضا.
قال الجاحظ ، وهو يتحدث عن كردويه الأقطع الأيسر (وهو من بطارقة سندان الشجعان) وكان لا يضرب أحدا إلا حطمه ، وكان إذا ضرب قتل ، قال الجاحظ : «كان كردويه مع فتكه وإقدامه يتشيع ؛ فكان لا يبدأ بقتال حتى يبتدأ» (١).
٢ ـ كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد أسر أبا عزة الجمحي في بدر ، ثم من عليه لأجل بناته الخمس ، وأخذ عليه العهد أن لا يعود إلى حرب المسلمين ، وأن لا يظاهر عليه أحدا. لكنه عاد فنقض العهد ، وألب القبائل ، وشارك في معركة أحد ، فأسر ، وطلب العفو ، فرفض النبي «صلى الله عليه وآله» طلبه ؛ حتى لا يمسح عارضيه في مكة ويقول : إنه سخر من محمد مرتين.
ولسوف نتعرض لهذه القضية في آخر غزوة حمراء الأسد إن شاء الله.
وبذلك يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد ضرب المثل الأعلى للمؤمن اليقظ ، الذي لا يخدع ، ولا يستغل ، ولا مجال لأن يسخر منه أحد ؛ فهناك الكلمة المروية عن الرسول «صلى الله عليه وآله» ، والتي لا يجهلها أحد : «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» (٢).
وقد شهد معاوية للحسين وأبيه أنهما لا يخدعان ، وذلك حينما قال
__________________
(١) البرصان والعرجان والعميان والحولان للجاحظ ص ٣٣٣.
(٢) مسند أحمد ج ٢ ص ١١٥ و٣٧٣ ، وراجع : فيض الباري ج ٤ ص ٣٩٦.