المخصّص المنفصل ، فوجود الاحتمال ما دام الكلام لم ينته ، غير مضرّ بظهور الدلالة على الحقيقة ، مع أنّه لا يجتمع إنكار ظهور الإرادة في هذا التقرير مع قبول أنّ التجوّز خلاف أصل الحقيقة في التقرير الأوّل ، لأنّ معنى قولهم : الأصل في اللّفظ الحقيقة ، أنّ اللّفظ الذي له موضوع له معيّن واستعمل في شيء لم يظهر للسّامع ، لا بدّ أن يحمل على معناه الحقيقي ما لم يجئ قرينة على خلافه.
ومقتضى ما ذكرنا في مقدّمات المباحث السّابقة من أنّ المقصود في الوضع هو غرض التركيب ، لا ينافي ما نقول هنا ، لأنّ التركيب يتمّ بقول القائل : أكرم العلماء ، ولا ينتظر في فهم معناه التركيبي لمجيء جمل متعدّدة بعده ، ومجيء استثناء عقيب الكلّ ، فقد تمّ الكلام النحويّ وإن لم يتمّ الكلام الاصطلاحي بعد. والمعيار في صحّة الفهم هو الأوّل وإن كان للمتكلّم رخصة في جعل اللّواحق مربوطة بالسّوابق ، وذلك لا يوجب عدم ظهور الحقيقة في معناها ، ولا نقول : أنّ مجرّد صدور اللّفظ يوجب الجزم بإرادة الحقيقة حتّى ينافيه التصريح بخلافه ، بل نقول : انّ ظاهره إرادة الحقيقة ونحكم به حكما ظنيّا لا قطعيّا ، وإذا جاء المنافي في تتمّة الكلام فيكشف عن بطلان الظنّ ويتجدّد للنفس تصديق جديد بإرادة المعنى المجازي ، ولا غائلة (١) فيه أصلا.
وأمّا قوله (٢) : فما لم يقع الفراغ لم يتّجه ... الخ.
ففيه : تناقض (٣) ، وهو مناف لما تقدّم من المعترض ، فإنّه قال سابقا أيضا : إنّه
__________________
(١) الغائلة جمع غوائل الشر والحقد الباطن ، ويقال : الغوائل أي الدواهي.
(٢) والذي ذكره في «المعالم» : ص ٢٩٦.
(٣) أي أنّ في كلامه بين أوّله وآخره تناقض ، وآخر كلامه هنا أيضا مناف لما تقدم من المعترض وإن كان ما تقدم من كلامه مطابقا لأوّل كلامه هنا.