لا يحكم بالحقيقة حتّى يتحقّق الفراغ وينتفي احتمال غيره. ولا ريب أنّه بعد الفراغ عن ذكر الجمل والشروع في ذكر الاستثناء لا ينتفي احتمال التّخصيص كما هو المفروض (١) ، فما معنى إبقاء غير الأخيرة على عمومه تمسّكا بالأصل ، وما معنى الأصل هنا ، فقد عرفت بطلان إرادة الاستصحاب منه. وكذلك القاعدة على مذاق المعترض ، فلم يبق إلّا الظاهر ، أعني أصل الحقيقة ، إذ ليس كلّ عموم موافقا لأصل البراءة حتّى يقال أنّه هو المراد.
والتحقيق في الجواب : أنّ هذا الدليل (٢) لا يدلّ على مدّعاهم ، بل هو موافق لمّا اخترناه من الاشتراك المعنوي ، وإنّ ما ذكره المستدلّ ، قرائن لتعيين أحد أفراده ، وأين هذا من إثبات كونه حقيقة مخصوصة في الإخراج عن الأخيرة ، فهذا دليل على ما اخترناه في المسألة بلا قصور ولا غائلة.
ومنها : أنّه لو رجع الى الجميع لرجع في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا.)(٣) مع أنّه لا يسقط الجلد بالتوبة اتّفاقا (٤) ، وخلاف الشعبي (٥) لا يعبأ به.
__________________
(١) من صلاح الاستثناء للجميع.
(٢) وهو دليل الحنفية لا يدل على ما ادّعوه من كون الاستثناء المتعقب للجمل المتعدّدة حقيقة في الإخراج عن الأخيرة فقط.
(٣) النور : ٤.
(٤) وقد بحث هذا المبحث في «الذريعة» : ١ / ٢٦٩ ـ ٢٧٣ من المهم مراجعته.
(٥) فإنّه ذهب الى سقوط الجلد بالتوبة ، في «مجمع البيان» : ٧ / ١٦٢ : أنّ الاستثناء يرجع إلى الأمرين فإذا تاب قبلت شهادته حدا ، ولم يحد ، عن ابن عبّاس في رواية ـ