بإبقاء العامّ على حقيقته وتأويل الخاصّ بمجاز آخر ، فالاعتماد هنا أيضا على المرجّح ، فمع وجود المرجّح في أحد الطرفين وموافقته لمحاورات أهل اللّسان من مراعاة شرائط المجاز ، لا يجوز التجوّز في الطرف الآخر ، فرجع مآل الكلام جملة الى ما يترجّح في النظر ويحصل به الظنّ من الأمارتين بعد ملاحظة قواعد اللّفظ وفهم المعاني. فهذا أيضا يرجع الى ملاحظة التراجيح وبعد العجز عنه يرجع الى التخيير أو التوقّف. فالتخصيص والتقييد وأمثالهما أيضا في الحقيقة يرجع الى الإثبات والإسقاط ، إلّا أنّ في ذلك إثبات البعض ، وإسقاط البعض ، وفيما لا يمكن الجمع إسقاط الكلّ وإثبات الكلّ ، مع أنّ القول بأنّ التخصيص فيما نحن فيه عمل بالدليلين مشكل ، بل هو إلقاء أحدهما وإعمال الآخر. فإنّ التخالف إنّما هو في بعض مدلول العامّ ونفس الخاصّ ، ولا ريب أنّ مع العمل بالخاصّ يلغى ذلك البعض (١) ، وإن لوحظ مجموع مدلول اللّفظ في الجانبين ، فلا يخفى أنّ المفهوم أيضا ليس تمام مدلول اللّفظ ، بل بعضه (٢) كما أشار إليه بعض الأعلام ، فلا مناص عن ملاحظة المرجّحات في الكلّ ، أعني في العمل بالدليلين معا (٣) في الجملة ، وفي طرح أحدهما (٤) ، ويشهد به إطلاق الأخبار (٥) الواردة في علاج الأخبار المختلفة ، وسيجيء تمام الكلام في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
وفذلكة المقام في ضابطة الجمع والترجيح أنّ التخالف الحاصل بين الدليلين
__________________
(١) وهو أحد طرفي المتناقضين.
(٢) والبعض الآخر هو المنطوق.
(٣) فيما يمكن الجمع.
(٤) فيما لم يكن الجمع.
(٥) من دون تقييد بغير عموم الخصوص فاطلاقها يشمل الترجيح.