سبب لأن يكون العمل بأحدهما تركا لظاهر الآخر وحقيقته ، أو تركا لظاهرهما معا ، ومع ترك الظاهر إمّا يحصل قرينة على إرادة خلاف الظاهر من نفس المتعارضين ، أو الخارج ، فبذلك يندرج في الدّلالة المجازيّة المتعارفة ويكون هذا أيضا مع القرينة من جملة الظواهر ، أو لا تحصل (١) ومع ذلك (٢) فإمّا يمكن تأويل هناك بمعنى احتمال ينزل عليه المخالف ولو لم يكن ظاهرا ، أو لا يمكن.
فحينئذ نقول : إن أراد القوم من قولهم : الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ، أنّه لا يجوز ردّ كلام الشارع ولو بحمله على محتمل صحيح يناسب سائر كلماته وإن كان بعيدا ، ولم نجعله شرعيّا دفعا للزوم التناقض كما فعله الشيخ رحمهالله في «التهذيب» لغرض دعاه الى ذلك ، كما ذكره في أوّل كتابه (٣) فلا غائلة فيه ، إلا أنّه لا يدلّ دليل
__________________
(١) أي لا تحصل قرينة مفهمة لارادة خلاف الظاهر مطلقا ، يعني لا من نفس المتعارضين ولا من الخارج.
(٢) أي ومع عدم حصول القرينة على الوجه المذكور.
(٣) ومن جملة ما قاله : وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكاد يتّفق خبر إلّا وبإزائه ما يضاده ، ولا يسلم حديث إلّا وفي مقابلته ما ينافيه حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا وتطرّقوا بذلك الى إبطال معتقدنا ... حتى دخل على جماعة ـ ممّن ليس لهم قوّة في العلم ولا بصيرة بوجوه النّظر ومعاني الالفاظ ـ شبهة ، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحق لمّا اشتبه عليه الوجه في ذلك وعجز عن حلّ الشبهة فيه. سمعت شيخنا أبا عبد الله ـ أيده الله ـ يذكر أنّ أبا الحسين الهاروني [أبا الحسن الهرويّ] العلوي كان يعتقد الحق ويدين بالإمامة فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب ودان بغيره لما لم يتبيّن وجوه المعاني فيها. فالاشتغال بشرح كتاب يحتوي على تأويل الأخبار المختلفة والاحاديث المتنافية من أعظم المهمّات في الدين ومن أقرب القربات الى الله تعالى لما فيه من كثرة النفع للمبتدى والريّض في العلم.