وبعد ما حقّقنا لك سابقا (١) ، يظهر ما فيه ، لأنّ العامّ كما أنّه يخرج عن حقيقته بالتخصيص بسبب كونه مجازا حينئذ ، ومع ذلك فنقول : إنّه قد عمل به ، فكذلك الخاصّ إن أريد به معنى مجازي أيضا ، بحيث لا يوجب ترك ظاهر العامّ وحقيقته. فمحض كونه جمعا بين الدليلين لا يوجب القول بالتخصيص ، مع ما عرفت من أنّه ليس جمعا بين الدليلين ، بل هو إلغاء لأحدهما ، إذ المعارضة إنّما هو بين ما دلّ عليه العامّ من أفراد الخاصّ وهو ملغى بأجمعه حينئذ ، فلا بدّ من بيان وجه التخصيص واختياره.
فالأولى أن يقال : دليلان تعارضا وتساويا ، وأحدهما عامّ والآخر خاصّ ، وفهم العرف وشيوع التخصيص ، وكونه أقلّ استلزاما لمخالفة المراد في نفس الأمر ، كلّها مرجّحة لاختيار تخصيص العامّ بالخاصّ.
وأمّا وجه التساوي (٢) ، فستعرف.
احتجّ المانع (٣) : بأنّ الكتاب قطعيّ وخبر الواحد ظنّي ، والظنّ لا يعارض القطع لعدم مقاومته له فيلغى.
و : بأنّ التخصيص به لو جاز ، لجاز الفسخ ، وهو باطل.
أمّا الملازمة ، فلأنّه تخصيص في الأزمان ، فهو من أفراد التخصيص ، أو أنّ العلّة في التخصيص هو أولويّة تخصيص العامّ من إلغاء الخاصّ ، وهو موجود في النسخ.
وأمّا بطلان التالي فبالاتّفاق.
__________________
(١) من أن مجرّد الجمع بين الدليلين لا يوجب تقدم الخاص.
(٢) بين الكتاب والخبر.
(٣) ونقل هذه الحجج في «المعالم» : ص ٣٠٥.