والجواب عن الأوّل (١) : أنّ الكتاب وأن كان قطعيّ الصّدور ولكنّه ظنّي الدّلالة ، وخاصّ الخبر وإن كان ظنّي الصّدور ولكنّه قطعيّ الدّلالة ، فصار لكلّ قوّة من وجه فتساويا ، فتعارضا ، فوجب الجمع بينهما ، هكذا ذكروه.
وأنت خبير بأنّ الخاصّ أيضا ليس بقطعيّ الدّلالة ، سيّما إذا كان عامّا بالنسبة الى ما تحته ، لاحتمال مجاز آخر غير التخصيص من أنواع المجاز ، مضافا الى احتمال التخصيص فيما كان عامّا أيضا.
نعم ، هو نصّ بالإضافة الى العامّ ، وقطعيّ بهذا المعنى ، وهو لا يستلزم قطعيّته مطلقا ، وقد مرّ توضيح ذلك في مبحث المفهوم والمنطوق.
فالتحقيق في الجواب هو : أنّهما ظنّان تعارضا وتساويا ، ولأجل أنّ التخصيص أرجح أنواع المجاز والفهم العرفي (٢) ، رجّحنا التخصيص.
وأمّا التساوي ، فلأنّ المعيار في الاستدلال هو اللفظ من حيث الدلالة ، لا من حيث هو ، والذي نقطع بصدوره هو لفظ العامّ.
وأما أنّ المراد منه هل هو معناه الحقيقي أم لا ، فهو غير مقطوع به ، فالذي هو قطعيّ الصّدور هو لفظ العامّ لا الحكم عليه بعنوان العموم ، فكون الحكم على العموم مراد الشّارع مظنون ، وكذلك الحكم في الخاصّ على الخصوص مظنون.
والقول بأنّ الخطاب بما له ظاهر وإرادة غيره قبيح ، فثبت وجوب العمل بظاهر القرآن مع قطعيّة المخاطبة به ، إنّما يتمّ بالنسبة الى من يوجّهه الخطاب ،
__________________
(١) وهو لصاحب «المعالم» : ص ٣٠٦. واعلم أنّ كلامه تبعا للعضدي كما عن «الفصول» : ص ٢١٣.
(٢) والفهم العرفي عطف على قوله : انّ التخصيص أرجح أنواع المجاز.