غير واضح ، وهذا التفسير (١) رواه أصحابنا عن أئمّتهم عليهمالسلام فلا وجه لردّه.
والصواب في الجواب أن يقال : إنّ ذلك أيضا ليس من باب التخصيص ، بل من باب التشبيه ، فإنّ أبا سفيان لمّا خرج الى ميعاد رسول الله صلىاللهعليهوآله للحرب بعد عام احد ألقى الله الرّعب عليه ، فأراد الرجوع وكره أن يكون ذلك على وجه الصّغار والإحجام عن الحرب ويكون ذلك سببا لجرأة أهل الإسلام ، فأراد تثبيط (٢) رسول الله صلىاللهعليهوآله عن الحرب على سبيل الخداع بأن يخوّفهم حتّى يتقاعدوا ، فلقي نعيم بن مسعود ، واشترط له عشرة من الإبل على أن يثبّطهم عن الحرب ، فجاء نعيم وقال لهم : إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم.
ووجه التشبيه أنّه لمّا أخبر عن لسان الناس يعني أبا سفيان وجيشه ، وتكلّم عن مقتضى مقصدهم ، وكان ذلك رسالة عنهم ، فكأنّهم قالوا ذلك بأنفسهم ، وهذا مجاز شائع في المحاورات ، وفي تكرير المعرّف باللّام إيهام إلى المبالغة في الاتّحاد.
ومنها (٣) : أنّه علم بالضّرورة من اللّغة صحّة قولنا : أكلت الخبز وشربت الماء ، ويراد به أقلّ القليل ممّا يتناوله الماء والخبز.
وفيه : أنّا قد حقّقنا في أوّل الباب (٤) ، انّ المفرد المحلّى باللّام حقيقة في الجنس ، ومجاز في غيره ، والقرينة قائمة هنا على إرادة الفرد المعيّن عند المتكلّم المطابق للمعهود الذهني ، وهو نظير قولنا : جاء رجل بالأمس عندي ، لا من قبيل :
__________________
(١) وهذا رد للجواب الأوّل.
(٢) يقال يثبّطهم عن الحرب أي يحبسهم ويشغلهم عنها ، قال تعالى : (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ.)
(٣) من الوجوه التي احتج بها من يتجوّزونه إلى الواحد ، وذكرها في «المعالم» : ص ٢٧٣.
(٤) وهو باب العموم والخصوص.