الثاني بناء كلّ منهما على الآخر فيلزم تساقطهما جميعا وبطلانهما رأسا كما لا يخفى ، وإن أريد بناء أحدهما على الآخر ، فيلزم الترجيح بلا مرجّح ، ولا مرجّح في أنفسهما كما هو المفروض ، أي من حيث محض العموم والخصوص ، والاعتماد على المرجّحات الخارجيّة ليس من جهة بناء العامّ على الخاصّ ، بل من جهة ترجيح أحدهما على الآخر في مادّة التعارض.
وبالجملة ، المعارضة بين العامّين بالمعنى الثاني مثل المعارضة بين المتناقضين ، لا بدّ فيه من ملاحظة المرجّحات الخارجيّة في التخصيص ، يعني بعد ملاحظة المقاومة ونفي رجحان أحدهما على الآخر أوّلا لاشتراك هذا المعنى بين المعنيين (١).
وقد غفل بعض الأعاظم (٢) هنا وعمّم البحث ، واستشهد ببعض الشواهد الذي لا يشهد له بشيء. ومنشأ اختلاط الأمر عليه اختلاط مباحث التخصيص ومبحث كيفيّة بناء العامّ على الخاصّ في بعض الكتب الأصوليّة ، وأنت خبير بأنّهما مقامان متفاوتان فصّل بينهما في كثير من كتب الاصول. فمن الشواهد الذي ذكره (٣) : أنّ محقّقي الأصوليّين استدلّوا في هذه المسألة على جواز تخصيص الكتاب بالكتاب بآيتي عدّة الحامل والمتوفّى عنها زوجها (٤) ، مع أنّ بينهما عموما من وجه.
__________________
(١) المطلق ومن وجه.
(٢) وهو الفاضل المدقّق الشيرواني كما في الحاشية.
(٣) وهو بعض الأعاظم المذكور ، ذكر من الشواهد على تعميم البحث.
(٤) الأولى قوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) الطلاق : ٤. والثانية قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) البقرة : ٢٣٤.